إعداد: محمد فتحي
يزخر التاريخ بكم هائل من الصراعات والنزاعات المسلحة التي ينتج عنها فرض إرادة طرف على الآخر، سواء بالاحتلال والهيمنة أو بالاستقلال ونيل الحرية. ومن بين صفحات التاريخ تبرز لنا سلسلة من تلك النزاعات التي طالت جنوب إفريقيا التي كانت مسرحاً للكثير من الأحداث والنزاعات الممتدة التي انتهت بنيل استقلال دولة جنوب إفريقيا من الاحتلال البريطاني، وفي خضم تلك المواجهات فرض الأمر الواقع اندلاع «حرب البوير الأولى» في مثل هذا اليوم من عام 1880 بين القوات البريطانية والبوير ترانسفال، وهم أفارقة منحدرون من المستوطنات الهولندية في جنوب إفريقيا.
لم تكن الحرب وليدة الصدفة، بل بدأت بمناوشات بسبب احتلال بريطانيا المستعمرة الهولندية في رأس الكيب عام 1806 أثناء حروب نابليون، مما أثار مقاومة البوير والتفكير في الاستقلال، وفي عام 1833، بدأت هجرة البوير إلى المناطق القبلية الإفريقية، وأسسوا جمهوريات الترانسفال وأورانج، وهي جمهوريات جديدة كانت تعيش بسلام مع جيرانهم البريطانيين حتى عام 1867، وعندما تم اكتشاف الماس والذهب في المنطقة، بدأ الصراع بين البوير وبريطانيا، وبدأت آفاق مواجهة عسكرية لا مفر منها بين القوتين.
سعت الحكومة البريطانية إلى توحيد تلك المستعمرات بهدف تشكيل اتحاد فيدرالي في جنوب إفريقيا، وفي عام 1874 قامت الحكومة البريطانية بتعيين اللورد كارنافون سكرتيراً للمستعمرات وسرعان ما بدأ بالتفاوض مع الإدارات المحلية من أجل تحقيق الاتحاد الفيدرالي في جنوب إفريقيا كما كان مخططاً له من قبل بريطانيا. ولكن المفاوضات انهارت في عام 1877. فقام اللورد كارنافون بإرسال السير شيستون لضم الترانسفال بالقوة. سافر مندوبان من البوير إلى لندن للاحتجاج على القرار، ولكن جهودهما لم تنجح، ونتيجة لذلك قرر البويريون إجبار القوات البريطانية على الخروج بالقوة، وفي عام 1880 قام البويريون بانتخاب كل من باول كروجر وبييه جوبير وبريتوريوس قادة في محاولة لفرض السيادة الوطنية والاحتجاج على أفعال الحكومة البريطانية.
حدثت أول مواجهة في مدينة بوتشيفستروم يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 1880، عندما اجتاحت حامية بريطانية جمهورية البوير. وبعد أربعة أيام تحديداً هزم البويريون رتلاً بريطانياً كان تحت إمرة الكولونيل فيليب أنستروتر بعد أن اشتبكوا عند برونهور ستسبرويت. وفي 27 فبراير/شباط 1881 هُزمت القوات البريطانية في معركة ماجوبار، ومنحت الترانسفال استقلالها سريعاً عقب ذلك التاريخ.