التقت تجارب فنية عربية وعالمية في الطابق الأول لمتحف الشارقة للفنون في تظاهرة مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية بوصفها تظاهرة إبداعية جمالية أولاً، وثانياً بوصفها تظاهرة ثقافية عالمية قاسمها الفكري هو الفن الإسلامي الذي كرسه المهرجان عبر عشرين دورة فناً عالمياً يجمع الشرق والغرب على روحانية وتنويرية هذا النوع من الجماليات وأساسها الخط والحروفية العربية وفي إطارها العام تقع تفصيلات أخرى مهمة تشكل هوية الفن الإسلامي العامة.. مثل الزخارف، والمنمنمات الدقيقة والهندسية والرقش، والدوائر، والمثلثات، والمربعات المشبعة دائماً بألوان صافية مثل صفاء اللون الأزرق الذي يحيل في الذاكرة العربية إلى الحماية وطرد العين والحسد في الثقافة الشعبية الدينية.
من هذا المنظور يجد من يتجول بين أعمال متحف الشارقة للفنون المشاركة في المهرجان أمام هذا السؤال الذي يفرض نفسه.. وهو.. ما هي الرموز أو الإشارات أو الثيمات الإسلامية في هذه الأعمال التي تعود إلى فنانين غير عرب أو غير مسلمين، بخاصة أن هذه الأعمال ليست حروفيات ولا هي خطوطيات، بل هي أعمال فنية أحياناً من الزجاج، وأحياناً من القماش والخشب والألمنيوم والحديد على شكل مجسمات بعضها معلق (السجاجيد المعلقة مثلاً)، وبعضها مطروح على الأرض ومادته الأسلاك المتعالقة المتداخلة مثل عمل النيوزلندي بيتر ترفيليان بعنوان: «معلقة المثلثات الكروية»، ومثل عمل الأمريكي جون فوستر بعنوان: «خام الحقيقة».
هناك أعمال «لوحية» معلقة على الجدران، وهناك أعمال تركيبية أو مركبة مثل «حفل زفافي».. ونادراً ما تشاهد عملاً خطوطياً مباشراً في لوحة خطوطية أو حروفية، ولكن في الأعمال المعدنية والزجاجية والقماشية تكمن روح الخط، وتكمن روح الحرف، وبكلمة ثانية، تكمن في هذه الأعمال العالمية روح الفن الإسلامي.. فأين رموز وإشارات وثيمات هذا الفن في هذه الأعمال؟
أول لوحة مباشرة في معطاها الإسلامي هي لوحة «قبة الصخرة المشرفة» في القدس في معرض «تأملات في فضاء مقدس» للبريطاني «بن جونسون»، وجاءت قبة الصخرة في دقة رسمها وزخارفها وآياتها القرآنية كأنها عمل فوتوغرافي، بل هي أكثر صفاء من العمل الفوتوغرافي، والكلمة الواردة في كتيب المهرجان من شأنها أن تقرب لنا الفكرة الجمالية الروحية الهندسية التي عمل عليها «بن جونسون».. «.. قبة الصخرة في القدس نموذج للعمارة الإسلامية»، بل هي أكثر وأكبر من مجرد هندسة معمارية إسلامية.. إنها.. «القيم التي تكتنزها القواعد الأساسية للهندسة المقدسة..».
في عمل الأمريكي «باتريك دي ويلسون»، وقد جاء بعنوان: «فسحة داخلية» ويتألف من خشب وقماش وفولاذ.. تشدّنا قواعد العمل التي تتخذ شكل حروفيات قائمة تشكل قاعدة للعمل، وتقرب في تشكيلها العام من كلمة (الله) ترتفع عليها المادة الخشبية على شكل فراغات تذكر بالنوافذ والفتحات التي نشاهدها في المساجد.. أي الإشارة الإسلامية هنا في هذا العمل هي الاستعارة الفنية من العمارة الإسلامية.
الفنانة الإماراتية نجاة مكي، وضعت عملها في حجرة صغيرة أرخت على بابها قطعة من القماش (العزلة، الوحدة، التوحد، اقرأ ما شئت رمزياً لهذه الحجرة)..
في داخل الحجرة كرة زرقاء بحجم كرة القدم مزخرفة وهي دورة، وبالتالي، تنشر ضوءاً أزرق في أثناء دورانها على سقف وجدران الحجرة، وبالمناسبة، إذا لم ينتبه المشاهد جيداً لهذه الحجرة فإنه بالتالي لن يشاهد العمل.
الدائرة، ومركزها، ودورانها على نقطة واحدة هي رموز صوفية إسلامية، ومرة ثانية اللون الأزرق الذي عهدناه مع ألوان صافية (حارة وهادئة) في تراث نجاة مكي التشكيلي، ولكنها هنا تخرج من فضاء اللوحة إلى ما أسمته «الصوبصري» أو الرفرفة.. وعملها أيضاً يحمل اسم «رفرفات صوتبصرية..».
الرمز الفني الإسلامي في عمل «إناء - V» أو Vessel-V للأمريكي «مات ماكونيل» هو إناء الماء، أو إناء الوضوء، بدورانيته. مادة العمل من الألمنيوم، ويوحي بالخفة والحركة واللولبية، أو الانسيابية. الومنيوم مطعم بلونين الأزرق والبني الغامق، وتأتي هذه الآنية وعددها خمسة.. «..لاحظ أن صلوات المسلم هي خمس».. على شكل دائري أو دوراني.. «.. لاحظ مرة أخرى رمزية الدوران عند المتصوفة..».
المقرنصات.. من العناصر المرئية في الفن الإسلامي، على هذه الحقيقة الجمالية تبني الفنانة الإسبانية «كريستينا بارينو» عملها «المقرنص الشفاف»، ولكن لنا نحن دائماً في هذه المادة قراءة مختلفة عن القراءة الواردة في كتيب المهرجان، وهي قراءة اجتهادية تأويلية، تبحث عن الواصل الموضوعي أو المنطقي بين الرمز الإسلامي، وبين العمل الفني، فالشفافية التي تعكسها مقرنصات «بارينو» هي في بعدها الروحي شفافية الإنسان نفسه في ذروة روحانيته وخشوعيته في مكان صلاة أو مكان عبادة.. وإلى جانب ذلك تنتشر أو كانت المقرنصات تنتشر في بيوت الأندلس وبلاد الشام.. إنها تضفي نوعاً من الحماية والجمالية والروحانية أيضاً بألوانها وشفافيتها، ومرة ثانية تطعم أحياناً بالأزرق.
في عمل «ربط الأبواب» للإسباني «ديفيد مورينو» استعارة من القباب والأقواس في العمارة الإسلامية، وهو عمل تركيبي تطلب من الفنان مجهوداً مذهلاً، فهو أقام ما يشبه العمارة «السلكية» المعدنية التي تحيل بدورها إلى الصبر والقوة.
استفاد السعودي أيمن زيداني في عمله «ثلاثة» من «نظام ابن مقلة لتصميم أحرف الخط المنسوب، فقد انشأ الفنان أبجدية بصرية جديدة صنع من خلالها كائنات التركيب بالاعتماد على خيوط مشبعة بالرمزية ومحملة بالروابط الثقافية..».
يذهب بيتر وجيه من مصر، في عمله «ابتهالات ضوئية» إلى الزخرفة النباتية بألوان مشرقة: الأصفر، الذهبي، الأخضر، والأحمر.
«بدون عنوان» معرض الفنانة البريطانية «رومينا خانوم» يقوم على فنيات السجاد.. بزخرفته وفضاءاته الخيوطية الواسعة والمريحة.
يرتبط السجاد بالثقافة العربية الإسلامية، وهو رمز جمالي يتصل أكثر ما يتصل بالشرق، ومن هنا نعلم رمزيته في العمل الفني المعلق.
الفنانة الإماراتية زينب الهاشمي في عملها «التحول المعدني».. تحوّل ما هو رياضي معدني عملي أو وظيفي إلى جماليات على شكل زخرفة، ولكنها زخرفة «حديدية» تستعير جمالياتها من روح الفن الإسلامي، أما السعودية سارة العبدلي، فتذهب إلى ما هو شفاف، وخفيف.. وفي عملها «مسار الذهب» توظف الخشب والرقائق المعدنية والسيراميك إلى ما هو زخرفي متشبع بلونين الأزرق والأصفر.
تأمل و رجاء
الرمز الإسلامي أو الإشارة الدينية الإسلامية في عمل «صلاة» للفنان الإماراتي «عمار العطار» لا يحتاج إلى مزيد من الشرح، فهو يجسد في عمله هذا فعل الصلاة اليومي من وقوف وركوع وسجود بين لونين: الأبيض (متمثلاً في ثياب الرجل المصلي..)، والفضاء الأسود الذي يحيط به، وكأن فعل الصلاة هو انبثاق النور أو الضوء (الأبيض) من الخلفية السوداء. بين التأمل، والرجاء، والابتهال، والتصوف، وشفافية المادة التحتية.. أو المعلقة، أو التركيبية، أو المطروحة على الأرض تراوح الأعمال الفنية، وتراوح أيضاً المضامين الفكرية والتأملية والثقافية لتظهر هذه الأعمال معاً تاريخية وعبقرية الهندسة المعمارية الإسلامية، والفن الإسلامي بمرجعياته وأصوله التي شغف بها الفنان الغربي أو الأوروبي أو الشرقي عموماً، وقبل ذلك هذه المرجعيات هي بالضبط مفردات اللوحة الفنية الإسلامية الثرية بالصفاء والنور.