الشارقة: علاء الدين محمود
شهد ثاني أيام «مهرجان المسرح الصحراوي»، في منطقة الكهيف في الشارقة، عرض العمل المسرحي العُماني «عشق في الصحراء»، من تأليف نعيم فتح نور، وإخراج يوسف البلوشي، بحضور عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة، وأحمد بو رحيمة مدير إدارة المسرح في الدائرة، وعدد من ضيوف المهرجان.
تتناول مسرحية «عشق في الصحراء»، قصة أسطورية حدثت في الصحراء العُمانية، وهي معالجة مسرحية لرواية «موشكا» للكاتب العُماني الشاب محمد الشحري، وتحكي القصة عن علاقة حب تنشأ في الصحراء بين أنسي «خدير»، وجنية «موشكا»، وتدور أحداثها في أجواء غريبة في الصحراء؛ حيث منازل «اللبان»، التي يعمل فيها العمال في بيئة جافة.
يقع خدير في حب موشكا، وتختلف موشكا عن صفات الجن، فهي محبة للبشر، وتأخذ شكل شجرة اللبان، ويذهب الحب ببطل القصة خدير كل مذهب، فيجافي زوجته ويذهل عن حياة البشر، وبالمقابل فإن موشكا تنال غضب ملك الجن، الذي يطاردها؛ من أجل الانتقام منها، ومن هذا الحب المستحيل بين البشر والجن، فموشكا قد قررت أن تعيش على سجيتها، وفقاً للحب الذي يعمل في داخلها، فكان أن طردت من مجتمعها، إلا أن التنازع بين حبها وانتمائها إلى مجتمعها الأصلي يجعلها في حيرة تأخذها إلى أن تعيش في شكل شجرة لبان، وهي الشجرة التي كلما طعنت فاح عطرها.
القصة تمثل التراث الصحراوي العُماني الزاخر بالأسطورة، وقد نجح المخرج في توظيف هذه الغرائبية في عمل مسرحي مميز؛ حيث حشده باللغة العاطفية الشعرية، وبحوارية ممتعة أخاذة؛ ليأتي العمل منسجماً مع هدف المهرجان؛ من حيث تناول حكايات الصحراء وأسرارها وثقافتها، وإبراز العادات والتقاليد، التي تزخر بها عوالم ومجتمعات الصحراء.
جاءت القصة ثرية في محتواها، واشتغل مخرج العرض باقتدار على فكرة الأسطورة الصحراوية؛ ليمزجها بالغناء والأشعار والفنون التراثية الشعبية، ونجح بشكل كبير في توظيف التقنيات المسرحية والسينمائية من موسيقى تصويرية وإضاءة، كذلك كان الأداء من قبل الممثلين مميزاً؛ حيث جاءت حركتهم وفق انضباط محكم.
كما وظف المخرج الفضاء المسرحي، الذي جرى فيه العرض، وهو فضاء طبيعي في منطقة الكهيف شبيه بصحراء ظفار العُمانية، ولعل القصة في مجملها قد حملت الكثير من الدلالات والمضامين التراثية، وعكست بشكل كبير قيم المجتمع الصحراوي، والشظف الذي يعيشونه وهو الذي ينعكس على العاطفة فتأتي مشحونة ومحتشدة.
وجد العمل المسرحي إشادة كبيرة من خلال الندوة التطبيقية التي أعقبت العرض، التي تحدث فيها المؤلف نعيم فتح نور والمخرج يوسف البلوشي، متناولين أسرار العرض، والظروف التي أنتجته، ومدى تماهيه مع فكرة المسرح الصحراوي.
وثمّن المتداخلون من نقاد ومخرجين وسنوغرافيين وكتّاب، جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، في إيجاد مسرح مختلف يغلب عليه الابتكار والخروج عن المألوف؛ ولرعايته للمسرح في كل العالم العربي حتى صارت الشارقة منصة كبيرة للمسرح العربي؛ ليلفت انتباه كل العالم، مشيرين إلى المسرح الصحراوي ومسرح خور فكان، وغيرهما من التجارب التي حملت روح التجديد، ونجحت في الارتقاء بالمسرح العربي والإماراتي، الذي يشهد قفزات نوعية في طرق وأساليب العرض المسرحي، كما أشادوا بالحضور الجماهيري الضخم، ما يدل على أن المهرجان قد نجح في أهم جوانبه، وهو جذب الجمهور والمتلقين إلى المسرح، وذكروا أن أهم نجاح للمسرح الصحراوي يتمثل في تحقيقه لفكرة الذهاب إلى الجمهور، وأن هذا النوع من المسرح له متطلبات جديدة في النقد؛ حيث يجب أن يأتي وفقاً لروح المهرجان وفكرته، باعتبار أن فكرة المسرح في المهرجان مختلفة عن تلك التي في الخشبة التقليدية، أو ما يُعرف بـ«العلبة الإيطالية»، وذكروا أن مسرحية «حب في الصحراء» قد استوعبت تماماً فكرة المهرجان، واستفادت من تقنيات المسرح والسينما، وتوظيفها في العرض.
وتحدث الكاتب عبد الله الذهلي متناولاً قصة المسرحية، مشيراً إلى أنها قصة عميقة تعبر عن أسطورة شعبية عُمانية تناقلتها الألسن، فيما عبر السينوغرافي خليفة الهاجري عن سعادته بتوظيف المخرج لفضاء المكان، وما يوجد فيه من طبيعة، مشيراً إلى أن العمل على الأسطورة يأتي دائماً مختلفاً، وأن البلوشي من المخرجين الذين يعملون بجد ويهتمون كثيراً بالسينوغرافيا في أعمالهم، كما أنه استفاد من خلفية المكان؛ حيث التلال الرملية والمساحة الكبيرة. ولفت الهاجري إلى أن لون ملابس الممثلين لم يكن مناسباً لعرض صحراوي، وأن شخصية موشكا كانت أقرب للإنس، فهي مسكونة بحب الناس.
وبيّن الفنان البحريني جمال صقر، أن المخرج قد نجح في تنفيذ العرض، وتحرك في المكان مانحاً الجمهور فضاء جميلاً، بينما تساءل الكاتب البحريني محمد فاضل عن الموسيقى المستخدمة في العرض، ودوافع المخرج في توظيف الموسيقى الشعبية فيه، مشيراً إلى أنه قد شعر بأن الموسيقى لا علاقة لها بالعرض.
المخرج الأردني حكيم حرب، أكد أنهم هنا للبحث عن مسرح مختلف، وأن العروض في المسرح الصحراوي يجب أن تقييم وفقاً لهذا الاختلاف، وليس من المنطلق المتعارف عليه في تقييم العروض، التي تجرى في المسرح التقليدي، مشيراً إلى أن السؤال الأهم هو إلى أي مدى اقتربت العروض المقدمة حتى الآن من فكرة المهرجان؟، موضحاً أن الاختلاف حتى الآن لا يبدو كبيراً.
الكاتبة اللبنانية نسيم علوان شددت على فرادة التجربة المتمثلة في نقل المسرح إلى الصحراء، وأن هدف المهرجان هو إخراج المسرح من المساحة التقليدية، وإلى ذات السياق ذهب الكاتب المغربي حسين الشعبي، الذي أعرب عن إعجابه بالمهرجان وهويته وتلقائيته، مشيراً إلى أن التجربة ما زالت جديدة، وموضحاً أن قوة العرض جاءت من خلال بنائه التراجيدي، وأن النص رغم تراثيته إلا أنه قد تضمن دلالات معاصرة، منبهاً إلى أن الاشتغال على الضوء كان متقناً إلى حد كبير، وهو ذات الأمر الذي تناولته الناقدة الكويتية ريهام رغيب، التي وجدت في العرض طابعاً عُمانياً بحتاً، من حيث التقاليد والعادات العُمانية.
وقدم مخرج العرض الكثير من الإضاءات حول الاستفهامات التي طرحها المشاركون في الندوة، مشيراً إلى أن هذا العرض هو أول تجربة له كمخرج في الفضاء الخارجي، وأن المهرجان منح الفرصة للكل في أن يقدموا تجربتهم. وأكد أن الفضاء هو ملك للمخرج يقدم فيه رؤيته كما يشاء، فيما ذكر مؤلف العرض، أن الرواية قد أسرته وأستأذن مؤلفها في أن يعدها لعمل مسرحي، وأنه قد حول لغتها الحوارية من الفصحى إلى اللهجة المحلية العامية.