يعتبر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أحد أهم المثقفين العرب. يمتاز بثرائه الفكري وجدارته الثقافية وسعيه الدؤوب من خلال ما كتبه إلى معالجة كثير من شؤون العلم والفكر والثقافة على المستويين المحلي والعربي، فقد تصدى بعمق وجدارة لكثير من الأبحاث والدراسات المهمة التي ساهمت بفاعلية في سدّ ثغرة في المكتبة العربية المعاصرة، بحيث لا يستغني كاتب وباحث يريد أن يطلع أو يكتب في منحى من مناحي التاريخ المحلي أو في شؤون هذه الثقافة المرتبطة بهذه الجوانب، عن الاستفادة مما كتبه وسطره قلم الشيخ د. سلطان بن محمد بحيث غدت مؤلفاته مصدراً مهماً لمثل هذه الكتابات.
وقد برز الشيخ د. سلطان في الساحة العربية المعاصرة كاتباً متخصصاً في الجانب التاريخي للمنطقة، خاصة في ما يتعلق بتاريخ القواسم، فقد أنتج في ذلك جملة من كتبه الموثقة علمياً توثيقاً يطمئن القارئ إلى مصداقية وصحة معلوماتها وأخبارها وحوادثها، كونها صادرة من شخص باحث عميق الفكر والنظر مهتم بتسجيل ومناقشة أدق التفاصيل وتحليلها. مطلع على كثير من المراجع والوثائق. متخصص بعمق في هذا الجانب تخصصاً ربما يكون فريداً من نوعه.
فقد اطلع الشيخ د. سلطان على كثير من الوثائق ودرسها وحللها وقارن بينها، واستخلص منها ما يشكل محور كتاباته وإصداراته التي أضحت محل عناية ومتابعة من القراء، وما يلفت النظر في ذلك كثرة إصدارات وكتب الشيخ د. سلطان التي رفد بها المكتبة العربية رغم مشاغله الكثيرة وعدم تفرغه وتعدد مسؤولياته الملقاة على عاتقه بصفته حاكماً يدير شؤون إمارته بشكل مباشر وفاعل، ويطلع على كل صغيرة وكبيرة فيها، ويتابع أدق تفصيلات حياة الناس في كثير من النواحي، ويقف على متطلباتهم وشكاواهم اليومية عبر شتى الوسائل.
عمق معرفي واضح
وتتميز كتابات الشيخ د. سلطان بعمق معرفي واضح بحيث تتضمن فكراً ثقافياً أخذ من الكاتب جهداً ووقتاً وتعباً وتدقيقاً حتى استوت كتاباته على سوقها وأينعت للقارئ والمطلع ثماراً دانية، وهذه كما قلت ميزة تميزت بها أبحاث وكتب الشيخ د. سلطان التي لا شك تعلي من جانب البحث والكتاب، وتجعل له شأناً ومنزلةً، لأن البحوث التي لم تستوف هذه الناحية والميزة تفتقد أهم أساس علمي لها، وتغدو ليست بتلك الدرجة من الأهمية، وفي ذلك خدمة واحترام للقارئ الذي يهمه أن يقف على معلومة صحيحة يطمئن لها في قراءاته واطلاعه، وربما يكون هذا ديدن مجمل ما كتبه الشيخ د. سلطان وقدمه للقراء، ولا يشذ كتاب من كتبه عن هذه القاعدة البحثية الثمينة التي ألزم الشيخ د. سلطان نفسه بها في ما كتبه، وتلك ميزة معتبرة في حقه كباحث متخصص.
تاريخ الإمارات
وأجمل وأعمق ما كتبه الشيخ د. سلطان هو ما يتعلق بتاريخ الإمارات خاصة ما يتعلق منه بالقواسم وبإمارتي الشارقة ورأس الخيمة بصفتهما عاصمتي القواسم، إذ يجد القارئ غنى في هذه الكتابات وتفصيلاً مهماً وزخماً من هذه المعلومات والأخبار الموثقة التي تغطي كثيراً من الجوانب التاريخية، ومن ذلك المهم أيضاً ما يتعلق بسيرة الكاتب الذاتية التي أفرد لها كتباً خاصة بها، هذه السيرة الغنية المرتبطة بأحداث تاريخية، التي تشكل في حد ذاتها جزءاً من تاريخ الإمارات المعاصر، فيما ستصبح هذه الكتابات خاصة بعد فترة مرجعاً مهماً للقراء لكثير من الأحداث التي عاصرها الشيخ د. سلطان أو تلك التي كان له دور في صناعتها، خاصة في ما يرتبط بتأسيس اتحاد الإمارات، وفي ذلك شيء كبير من الأهمية، لأن كثيراً من الأحداث والتفاصيل الدقيقة فيها ربما إن لم تسجل ويكتب عنها في وقتها تنسى بعد فترة من الزمن فتضيع بعض تفاصيلها أو تذكر على غير حقيقتها.
لذلك فإن تصدي الشيخ د. سلطان لها وتسجيلها بتفاصيلها يحفظها من ذلك النسيان أو الضياع، ما يجعلها مرجعاً مهماً لأبناء الوطن ومحل اطمئنان وصحة وثقة لكون ناقلها معاصراً لها أو مشاركاً في حدوثها.
المناهج الدراسية
ولا شك بأنه من الأهمية بمكان أن تتضمن مناهجنا الدراسية كثيراً منها ليعرف أبناؤنا الطلبة كثيراً من أحداث وأخبار وطنهم وليدركوا حجم التحديات والإنجازات الوطنية المهمة التي قام بها رئيس الدولة المؤسس وإخوانه حكام الإمارات المؤسسون رحمهم الله الذين قام على أكتافهم صرح هذا الاتحاد الميمون وما قدموه من عمل وجهد وتضحيات وما خلفوه لأبناء الحاضر من منجزات كبيرة، وما اتسموا به من رؤية وبعد نظر وحكمة وسط ظروف قاسية من التحديات التي كانت تراهن على مسألة ولادة هذا الاتحاد، ولكنه بفضل الله تعالى ثم بإصرار ومصداقية الحكام ولد هذا الكيان في الثاني من ديسمبر عام 1971م شامخاً متيناً، وأصبح كل يوم يزداد صلابة وقوة وازدهاراً بحمد الله.
فقد روى الشيخ د. سلطان في كتبه كثيراً من هذه التفاصيل والمعلومات المهمة عن الاتحاد ما يشكل تاريخاً لكثير من الأحداث والصور الحياتية والسياسية لهذا الوطن في مرحلة من أهم مراحل حياته، فيما تعد هذه الكتابات وثائق مهمة لقيام هذا الصرح الشامخ المتجدد وذلك من خلال تسجيل وكتابة حاكم شارك في بنائه مثقف ثقافة واسعة سخر قلمه وفكره لكتابة تاريخ وطنه المجيد في شتى جوانبه.. ولقد زخرت كتب الشيخ د. سلطان بالحديث المفعم بكثير من المشاعر الوطنية الجياشة عن قيام الاتحاد ومسيرته وتوثيق شيء كثير من أحداثه وأخبار قيادته ولكن بصورة حيادية وصحيحة وبعيدة عن المجاملة وبشيء كبير من الصدق والصراحة والأمانة في النقل وتصوير الحقائق ونقلها كما وقعت على حقيقتها لذا تعد كتب الشيخ د. سلطان مراجع مهمة لكتابة تاريخ المنطقة.
ويبرز في كتابة الشيخ د. سلطان الجانب الوحدوي، واهتمامه بترسيخ كيان هذا الاتحاد، وولاؤه لهذا الكيان الميمون الذي قدر له القيام والتطور والتنمية الشاملة في كثير من جوانبه وقد أعطت كتابات الشيخ د. سلطان لتجربة هذا الاتحاد الناجحة أهمية خاصة حيث ولدت هذه التجربة واستمرت وأينعت نجاحاً منقطع النظير بين مثيلاتها من التجارب التي لم يكتب لها النجاح في العالم العربي.
دعم الثقافة والمثقفين
ويتضح في ما يقوم به الشيخ د. سلطان من تأليف الجهد والإمكانية العلمية ما يغدو محل تقدير واهتمام من المثقفين والمهتمين بالمعرفة خاصة من الذين يهمهم الاطلاع على تاريخ المنطقة التي استقى الكاتب معلوماتها من مراجعها خاصة من الوثائق والتقارير الأجنبية الإنجليزية والفرنسية والهولندية والبرتغالية والهندية والفارسية والتي تمكن الكاتب من خلالها ومن خلال جهده وتميزه وثقافته العريضة من إنتاج هذا الكم المعتبر من الكتب الهادفة التي تعطي الانطباع عن المستوى الرفيع للكاتب وقدرته الفكرية على تقديم مثل هذه الكتب والدراسات المتعلقة بكثير من الشؤون والمباحث التي يعد بها الشيخ د. سلطان بدون مجاملة مثقفاً ومفكراً عربياً متميزاً.. ومن يلاحظ كتب الشيخ د. سلطان ونشاطاته الفكرية والثقافية وفاعليته في دعم الثقافة والمثقفين لا يستبعد أن يجعل له هذا الوصف على أقل تقدير.
والشيخ د. سلطان متواصل الإنتاج الثقافي ففي كل سنة يصدر مجموعة من الكتب المهمة التي تعالج بعض شؤون الفكر والثقافة خاصة ما يبرز فيه من التآليف التاريخية وبالأخص عن تاريخ المنطقة والقواسم كما أشرت فهو متعدد الأغراض والمباحث لا يقتصر نتاجه على منحى واحد من مناحي الفكر وإنما عالج خلال مسيرته الثقافية مجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث التي تهم القارئ العربي كالشعر والتاريخ والسياسة والأنساب والتراث والسير الذاتية وغيرها من الأبحاث التي تزخر بها دارته.
عاصمة للثقافة العربية
لقد استطاع الشيخ د. سلطان بمثل هذا التوجه الثقافي والاهتمام به ودعمه مادياً ومعنوياً أن يجعل من إمارة الشارقة عاصمة للثقافة العربية نظراً لما تزخر به من محافل ثقافية متنوعة ومعارض للكتب والخط العربي ومتاحف وأعمال مسرحية وترميم للمباني التراثية وغيرها من الأنشطة التي تصب في تنمية ثقافية شاملة كل ذلك ما ينبئ عما يختزنه فكر الشيخ د. سلطان من اهتمام بالثقافة عامة تلك التي عرف بها لدى جميع الأوساط.
ويتمتع الشيخ د. سلطان في كتاباته بلغة عربية سهلة ميسرة وصياغة جميلة لمادة كتبه تجذب القارئ بحيث يستغرق في القراءة استغراقاً يجعله ينهي ما تحت يديه في أقصر وقت دون أن يصاب بشيء من الملل خاصة وأن المواد التاريخية غالباً ما تكون مشوبة بشيء من الثقل والصعوبة التي تجعل القارئ يمل أثناءها، لكن الشيخ د. سلطان استطاع بإمكانية أدبية فائقة متمثلة في حسن اللغة وصياغتها بحيث تسهل مادة الكتاب على القارئ فيندمج معها ويستلذها وتلك ميزة تُحسب للكاتب في كتاباته إذ إن للتعبير الأدبي دخلاً كبيراً في هضم القارئ لمادة الكتاب العلمية وذلك ما هو واضح لدى الكاتب الشيخ د. سلطان في كتاباته ما يسهل أمر فهمها ومتابعة قراءتها.
الدقة والأمانة
ويغلب على الشيخ د. سلطان كما أشرت الدقة والأمانة في النقل بحيث يغدو متجرداً من تأثير مشاعره وضغط عواطفه التي ربما تجنح بالكاتب إلى جانب من التعصب للذات أو القوم والقرابة لذا فأنت حين تقرأ ما كتبه الشيخ د. سلطان تجده متجرداً لقول الحقيقة ونقل الحدث بعيداً عن أي تأثر أو تأثير عليه فتراه يذكر أحياناً أموراً وحوادث دقيقة تمس أحداً من قرابته لكنه لا يجامل فيها وإنما يذكرها كما حدثت خدمةً للحقيقة والتاريخ دون أن يعمل فيها مبضع التحوير والتأويل كشأن بعض الكتابات التي تتحكم فيها العواطف والمشاعر سلباً أو إيجاباً خاصة في ما يتعلق بالحديث عن الذات أو القوم والقرابة ما يفقدها شيئاً من مصداقيتها لدى القرّاء.. وتلك ميزة معتبرة تمتاز بها كتابات الشيخ د. سلطان إذ يغلب عنده جانب التجرد في ما ينقله ويرويه من أمور وأحداث مهما كانت درجة حساسيتها وهذا بلا شك مما يحسب له في كتاباته بل هذا ما يبرز واضحاً في ما يسطّره قلمه حتى غدا ذلك ديدنه في كل ما يذكر ويكتب دون مجاملة أو محاباة لنفسه أو لأحد غيره ويبرز من هذا موقفه من تصرف الشيخ سلطان بن صقر الأول حين قبل برفع علم الشارقة الذي فرضه الإنجليز وإنزال علم القواسم الأصلي فهو وإن كان يروي حادثة وقعت ويسجلها لكن القارئ يشم في أثناء حديثه شيئاً من النقد بل والرفض لهذا التصرف بجعل العلم الذي صنعه الإنجليز والذي يطلق عليه الكاتب وصف علم الاحتلال مكان علم القواسم الأصلي.
الاهتمام بالمظاهر الثقافية
نستخلص من ذلك أن الشيخ د. سلطان شخصية ثقافية متميزة تتمتع بمقومات فكرية وثقافية عديدة جعلت منه عالماً ومثقفاً يمارس مقتضيات العلم والثقافة في مجتمعه من خلال كتاباته وتدريسه في جامعة الشارقة وإلقائه العديد من المحاضرات والدروس ولما يتسم به من حب للثقافة وإعطاء المثقفين دورهم وتفعيل طاقاتهم في المجتمع وتواصله مع مثقفي العالم العربي وتشجيعهم على الإنتاج وتكريم رواده والاهتمام بالمظاهر الثقافية في المجتمع والاعتناء بالكوادر الثقافية المحلية وإتاحة الفرصة لهم للمشاركات الثقافية والتعبير عن تطلعاتهم ودعم جهودهم وتبنّي نشاطهم وفعالياتهم بحيث يعد الشيخ د. سلطان المحرك الأساسي لثقافة المجتمع ومشاركته شخصياً في كثير من الأنشطة الثقافية ودعمها مادياً ومعنوياً وتحريك مياهها وتوفير الفرصة السانحة لتطويرها وتفعيل أدوارها بحيث أصبحت الثقافة لصيقه به عُرفت به وعرف بها في كثير من الأوساط والمجالات حتى أصبحا توأمين لا ينفصمان.. فأينما جلت في مناحي الفكر والثقافة في الإمارات وجدت بصمة للشيخ د. سلطان وتأثيراً واضحاً منه على مسيرتها في ما لا يمكن لمؤرخ أن يتجاهل هذا الدور والتأثير الذي أحدثه الشيخ د. سلطان في بنية المجتمع الثقافية في الإمارات والعالم العربي.
وأذكر أنه عندما أُحرقت مخطوطات ثمينة في دار الكتب المصرية تبرّع الشيخ د. سلطان بنسخة كاملة من هذه المخطوطات وقتها سادّاً بذلك الفراغ الذي أحدثه تدمير هذه الكنوز النادرة على يد من لا يقيم للمعرفة وزناً.
كنوز لا تقدّر بثمن
لقد ركّز الشيخ د. سلطان في اهتماماته على اقتناء المخطوطات والتحف والخرائط والوثائق والخطوط العربية والمراجع النادرة ويسّر للباحثين سبل اتصالهم واطلاعهم عليها حيث تعد مقتنياته في كثير من جوانب الفكر من المواد المهمة والكنوز الغالية التي لا تقدّر بثمن، إذ إن شيئاً كبيراً من ذلك عائد إلى اهتمام شخصي للشيخ د. سلطان على حساب وقته وجهده وصحته.. كان ولا يزال يقضي كثيراً من وقته متنقلاً بين مكتبات العالم ومتاحفها متفحصاً مقتنياتها وذخائرها مطلعاً على كنوزها مستفيداً من معلوماتها ووثائقها رابطاً علاقات خاصة مع هذه الدور مفعّلاً دوره معها في اتفاقيات مشتركة بينه وبينها حريصاً على زيارتها بين فينة وأخرى باذلاً جهداً كبيراً ومادة طائلة من أجل الحصول على نسخ من محفوظاتها خاصة في ما يتعلق بتاريخ المنطقة وأحداثها فيما يعد الشيخ د. سلطان تبعاً لذلك من أكبر جامعي مثل هذه المصادر والوثائق التي تخدم الحياة الفكرية والثقافية في الإمارات حيث لا يتسنّى لغيره أن يحصل على مثل ما لديه من هذه الكنوز والنوادر..
لقد كنت ولا أزال متابعاً لإصدارات الشيخ د. سلطان قرأت معظمها وتفاعلت معها واستمتعت بما ورد فيها من معارف ومعلومات تستحق أن تقرأ من المثقفين وأحببت أن أشرك معي القارئ في إفادته بشيء من هذه الكتابات فعمدت إلى القيام بعدة قراءات في بعض هذه الكتب نشرت في جريدة الخليج وقتها وتراودني فكرة جمع هذه القراءات وإصدارها في مؤلف واحد تلخيصاً لما اشتملت عليه هذه الكتب المهمة من معارف في موضوعاتها مساهمة ثقافية مني في إعطاء هذه الكتب حقها من الاهتمام والكتابة عنها.
أربعة كتب جديدة
وبمناسبة معرض الكتاب في الشارقة لهذا العام وقع تحت يدي أربعة كتب جديدة للشيخ د. سلطان بن محمد في مناح مختلفة، الأول عبارة عن توثيق مساجلات شعرية بين الشيخ سلطان بن صقر والشيخ محمد عبد العزيز الصديقي والثاني بعنوان (إني أدين) وهو عبارة عن دراسة عدد من الوثائق الإسبانية تعود إلى الفترة ما بين عام 1530م إلى عام 1610م وهي فترة مأساة الأندلس والثالث دراسة في مخطوطة لكتاب نشر باللغة البرتغالية يرجع إلى مطلع القرن 16 عرف باسم كتاب (دوارتي بابوزا) والرابع كتاب بعنوان سيرة مدينة يتحدث فيه عن تاريخ القواسم منذ زمن الشيخ سلطان بن صقر الأول إلى زمن الشيخ سلطان بن صقر الثاني ويركز فيه بشكل خاص على الأحداث التي حدثت في إمارة الشارقة بشكل تفصيلي خلال هذه الفترة..
لقد قدم الشيخ د. سلطان الشيء الكثير للثقافة ودعم دورها في المجتمع بشكل قوي وفاعل وذلك من خلال ما يبين للمتتبع من نشاطات هذه الشخصية ومزاياها الثقافية المتعددة في التركيز على جعل الثقافة رافداً مهماً من روافد تنمية المجتمع والسعي لأن تحتل مكانها اللائق بها بحيث تعطى الثقافة الدور الأهم والمنزلة الأوفى في أولويات هذه التنمية لأن كل تنمية تكون بعيدة عن الثقافة والاهتمام بها تغدو منقوصة لا تحقق الغرض السامي من الأهداف التنموية الحقيقية التي تنشدها المجتمعات المتقدمة.
مدن وحواضر العرب والمسلمين
إن دور الشيخ د. سلطان المتميز في خدمة الثقافة ليعيد إلى الأذهان شيئاً كبيراً من سيرة ملوك العرب وخلفائهم في الاهتمام بهذه المعاني والخصال السنية وإحياء المظاهر الثقافية في مجتمعاتهم وإعطائها الأولوية على ما عداها وجعلها رافدة للتطور والازدهار حتى نمت في ظلهم وطالت أغصانها وبلغت أوج غاياتها وقمة ازدهارها وعظمتها ولا أدل على ذلك مما وصلت إليه دمشق وبغداد وقرطبة وإشبيلية وغيرها من مدن وحواضر العرب والمسلمين.. ولا نبعد عن الصواب إن قلنا بأن الشيخ د. سلطان يمثل حلقة من حلقات ذلك الاهتمام العربي والإسلامي بالثقافة والعلم ويعيد إلى الأذهان شيئاً من تلك السير التاريخية التي بقي شيء من آثارها وتأثيراتها في الفكر والثقافة الإنسانية عامة حتى يومنا الحاضر.
ميزة عالية القدر والمنزلة
يطول بنا الحديث عن الشيخ د. سلطان وثقافته ومنجزاته واهتماماته الثقافية ويكفيه أن أبرز ما يميزه في المجتمع ويعامل على أساسه أنه مثقف إذ ليس هناك ما هو أجمل من أن يعرف الإنسان بالثقافة ويكسبه المجتمع لقب مثقف فتلك ميزة عالية القدر والمنزلة يسعى إليها كثير من الناس ولا يدركها إلا القليل منهم إذ ليس باستطاعة أي إنسان أن يكون كذلك لأن لهذا اللقب ضوابط وموازين تكلف الإنسان جهداً وطاقة ومثابرة ونتاجاً فكرياً لا يقدر عليه إلا المؤهلون له من الذين توفرت فيهم ميزاته وخصاله وأبرز مثال على ذلك في مجتمع الإمارات الشيخ د. سلطان الذي استطاع بكل دقة وإمكانية أن يحوز مميزات الثقافة ويتصدر قائمة المثقفين في معاصرتنا، فقد بنى للثقافة كياناً وأعلى لها صرحاً وقدم لها خدمات طائلة مادية ومعنوية رفعت من شأنها وحصل بكل ثقة وجدارة على لقبها فأصبح هذا اللقب مقروناً به معروفاً بشخصه.
وختاماً أرجو أن أكون قد ألقيت شيئاً من الضوء التعريفي على شخصية الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي الثقافية، وتحدثت عنه بما هو أهل له من مميزات وسجايا فيه من هذه الجوانب الحيوية التي اشتهر بها في المجتمع وجعلته محل اهتمامي وكتابتي عنه للتعريف به مثقفاً متميزاً وإبراز جهوده المثمرة في خدمة الثقافة، فأرجو أن أكون وفقت في ذلك.
قياس تقدم المجتمعات
تعد الثقافة في زمننا الحاضر لدى الأمم المتقدمة من أهم معايير وموازين قياس تقدم المجتمعات وتطورها بحيث تعيش الثقافة في صميمها وداخل كيانها ووجدانها وليس على هامشها، لأن مجتمعاً بدون ثقافة في جنباته شبه مشلول وقاصر عن بلوغ مرتبة تميزه وفاعليته مهما كان إعطاء الجوانب الأخرى غير الثقافية دوراً أهم وأكبر فيه لأن حقيقة الثقافة في المجتمع كالأكسجين بالنسبة للرئة لا يمكن لها أن تتنفس بدونه وذلك ما آمن به الشيخ د. سلطان القاسمي فعمل جاهداً على تبني الثقافة كمنهج حياة والاهتمام بها والتركيز عليها تركيزاً أوضح للعيان دور هذه الشخصية الكبير في تنمية الثقافة في مجتمعه بشكل أبرز نشاطاتها ومظاهرها الكثيرة والمتعددة في كثير من الجوانب وسعى لجعل إمارة الشارقة موطناً مختاراً للثقافة وحضناً دافئاً لها لما وفره من إمكانات ودعم لمنتسبيها وروادها وأنشطتها وعمل صادقاً ليكون للثقافة وضع مهم في المحافظة على أصالة انتمائه العربي والإسلامي.
ولم يتوان الشيخ د. سلطان عن الاهتمام بالثقافة طوال فترته الماضية وتيسير سبلها ودعم أنشطتها إضافة إلى تواصل نتاجه الثقافي بشكل ينبئ عن مخزونه الفكري والثقافي المؤهل له لإنتاج هذا الكم والكيف المعرفي من الثقافة ونشر مقتضيات الفكر السليم في المجتمع الذي يبني الشخصية الوطنية التي تتشرف بعمق الانتماء إلى محيطها العربي والإسلامي وتنمية هذا الشعور بأهمية المبادئ والالتزام بما هو جميل وأصيل من الاعتزاز بالمورثات التاريخية التي شكلت على مدى تاريخنا حضارة مزدهرة ساهمت بقسط وافر في جوانب كثيرة من خدمة الفكر والعلم والثقافة التي أصبحت دلالاتها واضحة على تقدم العرب ونهضتهم في حقب من التاريخ كانوا فيها مشاعل نور وهداية وتثقيف وإنسانية.
مثقف من نوع فريد
مهما حاولنا أن نعدد الجوانب المضيئة في شخصية الشيخ د. سلطان بن محمد فإننا نعجز عن هذا الحصر والتعداد لأن شخصية غنية بمثل هذا الثراء المعرفي المتنوع والاهتمام الشامل بجوانب الثقافة لأمر نادر في معاصرتنا.. ويسعني أن اعتبر ما يمكن أن نفاخر به أنه يوجد لدينا مثقف في الإمارات كالشيخ د. سلطان في سعة اطلاعه وتشعب اهتماماته الثقافية الواضحة للعيان وكثرة ما أصدره من كتب في كثير من المناحي والشؤون الفكرية والثقافية.
لقد اجتمعت كثير من هذه السجايا والخصال في شخصية الشيخ د. سلطان بحيث أبرزته مثقفاً من نوع فريد في مجتمعنا العربي وصاحب اهتمامات تنموية ثقافية يصعب أن نجد مثيلاً لها وأهم ما يمكن أن يشار إلى الشيخ د. سلطان فيه هو اهتمامه بالعلم وإنشاؤه صروح عدد من الجامعات في وقت قصير جداً حتى غدا ذلك عقداً فريداً تزين به صدر إمارة الشارقة.
وأوضح ما يلفت نظري في الشيخ د. سلطان ثقافته العمرانية بحيث استطاع أن يجعل من المباني الرسمية في الشارقة متاحف لجمال البناء الشرقي في أشكاله المتناسقة مع بعضها فيما ينم ذلك عن ذائقة عمرانية أصيلة تكشف اعتزازاً بشكل العمران الإسلامي في عصوره الزاهرة وإعادة بنائه على ذات أشكاله وتصاميمه وربما يكون ذلك عائداً إلى جزء من شخصية الشيخ د. سلطان الثقافية الأصيلة التي تعلي من جانب حضارته الإسلامية ورونق عمرانها الجميل.