بطريقة ما يقدم المسرح نفسه من على فضاءاته المختلفة سواءً منها ما يعرف بفن العلبة الإيطالية، أو ما كان خارجاً من ذلك الإطار المحدد، بوصفه نموذجاً متكاملاً لنقد فعّال لأنماط الواقع ومسلكياته.
لا يقدم المسرحيون المتمكنون من أدواتهم الفنية، رسالتهم تلك في شكل مباشر عن طريقة تقنية الأمر والتلقين، بل يسعون أن تكون الرسالة تفاعلية على شكل نموذج مثالي، يحفز المتلقي على طرح كل الأسئلة النقدية حول واقعه، حين يشرع ذهنياً في مقارنة ذاك الواقع بما يراه على خشبة المسرح من بدائل.
هنا يكون دور المسرح أكبر من مجرد تقديم الفرجة أو نشر المتعة، بل يغدو مؤسسة تعليمية غير تقليدية، تمتلك أدوات وأساليب أسرع بكثير من وسائل التعليم ومناهجه الاعتيادية، إنه يتبوأ عندئذ دور الصانع للمعرفة والمغير للشعوب نحو الأفضل، ونحو تبني القيم الإيجابية الإنسانية.
ذلك ما وعاه مبكراً من خلال ثقافته الواسعة وتجاربه العديدة واطلاعه على تاريخ شعوب هذا العالم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فأصدر توجيهاته وفق رؤية استراتيجية بالاهتمام بكل أنواع المسرح وتدرجاته، من مسرح الطفل، إلى مسرح الناشئة، إلى مسرح الهواة، إلى المسرح الاحترافي، وكان نتاج ذلك أن وضعت دائرة الثقافة برامج متنوعة، بتخطيط محكم ووفق أهداف تبتغي تحقيق المزيد في كل سنة، وأطلقت لأجل تحقيق رؤية سموه عدة مهرجانات وملتقيات خاصة بالمسرح.
وعملت الفرق الإدارية المسؤولة عن تنفيذ تلك المهرجانات والإشراف عليها وإدارتها من خلال إدارة المسرح في دائرة الثقافة، بطريقة ديناميكية تستجيب للمتغيرات في كل دورة، وتضيف في العام الموالي تحسينات جديدة، وتستقبل الضيوف من كل البلدان العربية، وتؤسس من خلال كل ذلك لغرس عميق وقوي لرؤية سموه في مجال المسرح.
كل هذا الجهد الدؤوب والميزانيات الهائلة التي أنفقت عليه استندت كما أشرنا آنفاً إلى فهم قيمة المسرح وإمكانية أن يكون مسانداً للعملية التعليمية العادية، وبالتالي يستطيع أن يساهم في خلق جيل متماسك بعيد عن حواشي الثقافة الهامشية والتي لا تنبت زرعاً ولا تسقي نبتاً ولا تنفع الناس ولا تمكث في الأرض.
من خلال كل ذلك يمكننا القول دون مواربة إن المسرح هو التعليم وإن بشكل مختلف عن التقليدي، وبكل ما يمثله التعليم في عصرنا من بنية مؤسسية في عملية التنمية في الاستراتيجيات الحديثة.
pechike@gmail.com