عثمان حسن
تعود معظم المراجعات الأدبية والفكرية في كثير من مرافعاتها الثقافية -إن جاز التعبير- إلى قضية لم تحسم بعد في كثير من مجتمعات العالم، وتتصل بمصطلح «التنوير» وهو مصطلح فلسفي بحت، أو ذو طبيعة فلسفية، كانت إرهاصاته الأولى قد بدأت ب «عصر التنوير» في أوروبا حوالي القرن الثامن عشر، وهو العصر الذي أحرز نقلة نوعية في التفكير، انتقلت إلى ميادين الثقافة والفنون المختلفة من شعر ومسرح وتشكيل وغيرها.
وما دمنا بصدد الفلسفة هنا، فقد نشأت فلسفة التنوير كنتيجة مباشرة لأزمة الوعي التي هزت أوروبا ما بين (1680 و 1715 ) كما وصفها مؤرخ الأدب الفرنسي «پول هازار» وتبلورت في فرنسا بين 1745 و1785، فاتخذت طابعاً علمانياً صرفاً وقف بقوة ضد كافة أشكال التعصب الديني، ودعت إلى تكريس العلم كقيمة أساسية، يتبعها ضرورات للبحث عن رؤى جديدة للسلطة والقانون وحقوق الإنسان.
بطبيعة الحال، لم تبخل كثير من الأطروحات الفلسفية تحت مسمى «التنوير» من دعوتها للمواءمة بين الأخلاق والمعرفة، وهو سعي كان يرمي إلى الإصلاح والتطور والعصرنة في سياق مجتمع أوروبي أطلق عليه «عصر الظلمة» تعايش معه الغرب ردحاً من الزمن.
عربياً، ومع بروز إشكاليات كثيرة، لم تفصل بين الخطابين الديني والسياسي، ومع تنامي تيارات تدعو للعنف والتطرف، وجد كثير من المفكرين العرب أنفسهم مطالبين بالاصطفاف الثقافي، كجبهة موحدة تنبذ العنف، وتدعو لمحاصرته، وتفكيك مخالبه وهم في سعيهم هذا، يضعون أولى اللبنات للدفاع عن مشروع له صلة بمفهوم التنوير والتجديد الفكري.
والتجديد في هذا المقام، يحتاج إلى مزيد من البحث، سيما وأن إشكاليات الثقافة العربية، لا زالت هي الأخرى تعاني فقراً منهجياً يتصل بالمعرفة، من حيث هي مشروع مفتوح على الفكر والوعي، وأيضا «التنوير» بوصفه سؤالاً فلسفياً، يناظر البحث عن الحقيقة، في دوامة ما نعيش من شك وعنف وتطرف.
مهمة الثقافة العربية هي مهمة شاقة، لأنها لا محالة ستصطدم مع كل تيارات العنف والتطرف، وهي تحتاج إلى بحوث معمقة، وهنا، يحضر الفيلسوف «إيمانويل كانت» في كتابه «مشروع للسلام الدائم» كما تحضر خلاصات فكرية عربية في منجزات كثير من المفكرين العرب الذين يصعب حصرهم، وهي مهمة نبيلة في مواجهة الهجمة الشرسة على المنجز الحضاري والإنساني، ومؤخراً سمعنا عن مشروعات مماثلة تدعو للسلم نهجاً وترسيخاً في المجتمعات العربية والإسلامية، وتنزع لتجديد الفكر وفق رؤية حضارية جديدة وهي في مجملها مشاريع تدعو لإشاعة قيم الخير والحب والسلام.
Ohasan005@yahoo.com