Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

«مسرح خليفة»درة قصر فاونتينبلو في فرنسا

$
0
0
باريس: عبير حسين

لمسة هواء باردة منعشة يصحبها رذاذ المطر الخفيف المتساقط تصحبك طوال الطريق من باريس إلى فاونتينبلو تجعلك متيقظاً طوال الوقت الذي تتمناه أن يطول للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تبسطها المساحات الخضراء على جانبي الطريق في إشارة لاتخطئها العين إلى أن ما ينتظرنا أكثر جمالاً وهدوءاً ونضارة وخضرة.
فور الوصول إلى قلعة أو قصر فاونتينبلو جنوب شرقي فرنسا يقع الزائر أسيراً لسحر المكان الذي لا يسمع فيه إلا صوت الصمت الرائق الذي يسدل ستائره بسكينة على أرجاء القصر والأماكن المحيطة به، خاصة الغابة الملكية التي خصصت لقرون طويلة لرحلات الصيد الخاصة بملوك فرنسا ورجالات البلاط الملكي ذوي الحظوة والنفوذ.
تشي الإطلالة الأولى على المكان بعراقته، إذ صمم على طراز عمارة القرون الوسطى، كما تدل على اتساعه بمئات الغرف والقاعات التي تضمها أجنحته والتي تحتفظ بدورها بحكايات وأسرار وأساطير تقص حكايات تاريخية عن أكثر من 30 ملكاً فرنسياً عاصروا القصر إما كمقر دائم لإقامتهم، أو ضيوف خلال فترات الصيف. وبينما تحتفظ جدران الغرف بأسرار أكثر مما باحت، يتحول بعضها إلى خزائن ثمينة بما تحويه من نقوش وزخارف، إضافة إلى 1530 قطعة ما بين منحوتات ومقتنيات نقلت المكان من مجرد كونه تراثاً ثقافياً فرنسياً، لينضم إلى لائحة اليونيسكو للتراث العالمي منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
تصنيف القصر تراثاً عالمياً كان أهم أسباب اهتمام الإمارات بعمليات ترميمه التي خصصت له 10 ملايين يورو في إطار مساعيها لصون المواقع التراثية والثقافية حول العالم، إضافة إلى الاتفاقية التي وقعت بين أبو ظبي والحكومة الفرنسية في العام 2007 للتعاون والتبادل الثقافي وتضمنت عدة بنود كان من أهمها إنشاء متحف «اللوفر أبوظبي» وترميم قصر فاونتينبلو.
القصر محفور في ذاكرة التاريخ الفرنسي بعدما وثق نابليون بونابرت أيامه الأخيرة فيه قبل رحيله إلى منفاه في جزيرة ألبا 1814، إذ قال عنه في مذكراته «إنه الإقامة الحقيقية للملوك، ربما لم يكن قصراً معمارياً فاخراً، لكنه مكان إقامة مناسب تماماً، أعتقد أنه القصر الأكثر راحة وسعادة في أوروبا».
فينسنت دروجت، محافظ القصر، وهي التسمية الفرنسية التي تطلق على مديري المتاحف والمواقع الأثرية هناك، اصطحب «الخليج» في جولة بمعالم القصر بدأت بأهم قاعاته وهو مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي عرف سابقاً بمسرح «نابليون الثالث» واحتفي بانتهاء المرحلة الأولى من ترميمه في العام 2014، بينما بدأت الثانية قبل عدة أشهر.
عبّر دروجت عن شكره العميق للإمارات لمساهمتها في الحفاظ على التراث الثقافي والإنساني المهم الذي يمثله القصر الذي عاصر عشرات الملوك الذين شهدت فترات حكمهم أحداثاً سياسية كبرى منها توسع الإمبراطورية الأولى على يد نابليون، مروراً بالثورة الفرنسية، وانتهاء بالحرب البروسية الفرنسية التي كانت سبباً في إغلاق القصر 1870، الذي لم يستخدم لفترات طويلة بعد ذلك إلا في فترة الاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، الا انه سرعان ما أغلق في العام 1941 لأسباب أمنية.
أشار دروجت إلى أن هناك عدة محاولات فرنسية لترميم المسرح كانت الأولى 1960، ثم تبعتها محاولة ثانية في 1980، ولم تكتب لأي منهما النجاح. وكان على الجميع الانتظار حتى توقيع الاتفاقية مع الإمارات في العام 2007 حتى تبدأ الخطوات الجادة لترميم المسرح الذي يعود تاريخ بنائه إلى عهد نابليون الثالث الذي كانت زوجته الإمبراطورة أوجيني مفتونة بنموذج الملكة ماري أنطوانيت، زوجة الملك لويس السادس عشر، فعهدت إلى المهندس هيكتور ليفيول بمهمة تشييد مسرح فاخر على نمط ذلك الذي شيدته أنطوانيت في قصر فرساي ليفتتح في العام 1857.
لفت دروجت إلى العقبات الكبيرة التي صادفتهم عند الشروع في ترميم المسرح وقال «كان علينا التعامل بمنتهى الحذر مع كل قطعة نقترب منها».
وقال: كل ركن أو قطعة في المسرح كانت تحدياً مستقلاً، فمثلاً صعوبة ترميم الجدران كانت تكمن في كسوتها الحريرية بالغة الرقة التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، لذا كان علينا تنظيفها بآلات خاصة لسحب الأتربة. أما السجاد فأزيلت الأجزاء المتآكلة منه خاصة تلك التي كانت عند الباب الرئيسي في الطابق الأسفل. وجهزنا ورشة خاصة داخل القصر على مساحة 450 متراً عملت على إنتاج قطع طبق الأصل أعيدت إلى مكانها، بينما أعيد تثبيت السجاد الأصلي بعد معالجته في باقي جنبات المسرح. أما المقاعد البالغ عددها 450 مقعداً وتتوزع على 4 مستويات، فنجحنا في الحفاظ على الهياكل الأساسية لها، بينما اضطررنا إلى إعادة كسوتها بأقمشة تعد نسخة طبق الأصل من تلك التي كانت عليها في السابق.
وذكر دروجت أن الإمبراطورة أوجيني كانت شغوفة بالفنون والأداء التمثيلي، وأن المسرح استضاف 10 عروض موسيقية وفنية خلال فترة تولي نابليون الثالث الحكم. وأضاف أن الهدف من ترميم المسرح وإعادة تأهيله هو الحفاظ على قيمته التراثية والثقافية وليس استضافة عروض فنية على خشبته.
ولفت المحافظ إلى التناغم الكبير الذي تعكسه جدران المسرح بين نقوشه وزخارفه الذهبية البراقة، وبين اللوحة البديعة التي زينت سقفه بالغ الارتفاع التي تعبر عن التناغم بين الشعر والموسيقى، وكذا الثريا الضخمة التي تزن طناً وتبعث أضواؤها دفئاً يغمر المكان.
وقال دروجت: هذه الثريا الضخمة سقطت في العام 1926، وكان ترميمها من أكبر التحديات التي واجهتنا، لأنه بالرغم من احتفاظ هيكلها البرونزي بكثير من سلامته، فإن جميع مكوناتها من الكريستال والزجاج تحطمت، لذا اضطرنا إلى إجراء محاكاة بالحاسوب لشكل الإضاءة التي كانت الثريا الضخمة التي تضاء بالشموع تبعثها، إضافة إلى وحدات عاملة بالزيت حتى يتم إنتاج لمبات حديثة توفر مستوى الإضاءة نفسه.
كما اعتمدنا على المحاكاة الحاسوبية لتقرير الارتفاع الذي كانت تتدلى منه الثريا قبل سقوطها.
وأكد أنهم اتخذوا أقصى درجات الحيطة والحذر عند مد كابلات الكهرباء إلى داخل القصر ومنها الخاص بإنارة الثريا.
وحسب دروجت، فإن المرحلة الأولى أنهت ترميم قاعة المسرح، وشرفة رجال البلاط الملكي، وحتى الشرفة الملكية والقاعة الخاصة الملحقة بها والمخصصة لدخول الملك وزوجته، إضافة إلى الزخارف والنقوش، وصيانة الأثاث العتيق. أما المرحلة الثانية فتشمل ترميم خشبة المسرح، والغرف الأخرى الملحقة به وكانت مخصصة لتجهيز العروض الموسيقية مثل غرف تبديل الملابس، وتخزين الآلات وغيرها والتي يتوقع انتهاؤها نهاية العام 2018، على أن يكون المسرح جاهزاً لاستقبال الزوار الراغبين في التعرف على تاريخه وتراثه في ربيع 2019.
وقال المحافظ: تدفئة المسرح كانت تحدياً آخر عند إعادة تأهيله، نظراً لاعتمادهم في الماضي على الفحم لدفع الهواء الساخن إلى داخل قاعته، أما اليوم فابتكرت تقنية حديثة تعمل على دفع الهواء الساخن من دون استخدام الفحم، إضافة إلى ميزتها الفريدة وهي انخفاض الضوضاء الصادرة عنها تماشياً مع حالة الهدوء العامة التي يجب أن يكون عليها المسرح.
وفي حين كانت الإمبراطورة أوجيني أول من فكر في تشييد مسرح فعلي في قصر فاونتينبلو، يشهد التاريخ للأميرة الإيطالية كاترينا دي ميديشي، زوجة الملك هنري الثاني، بأنها كانت صاحبة الحضور الأقدم موسيقياً في القصر، إذ كانت صاحبة فكرة تشييد قاعة ضخمة للحفلات استضافت عدة عروض مسرحية وتمثيلية. وفي القرن ال 17كان جناح «بيل شيميني» الذي شيده الملك هنري الرابع مقراً لفنون الأداء الترفيهية التي عرفت أشكالاً مختلفة من العروض خاصة الفكاهية، وكان لويس الثالث عشر أول الملوك الذين استضافوا فرقاً إنجليزية لتقديم فنونها المسرحية داخل قاعات القصر.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

Latest Images

Trending Articles



Latest Images

<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>