Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

شفاء العالم العربي

$
0
0
د.عبدالله السويجي

التفكك حالة مرضية يعانيها الجسد العربي منذ أكثر من مئة عام، وتزيد حالته كل يوم سوءاً، ولم تتمكن من شفائه القومية ولا الاشتراكية ولا الشيوعية ولا الأصولية ولا العلمانية ولا الأنظمة الجمهورية ولا الملكية ولا الدينية، ولم تقدم له الثورات الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية أي أمل بالشفاء؛ بل يمكننا الزعم بأن كل النظريات والمعتقدات، التي حاول أصحاب الفكر والسياسة والأحزاب تطبيقها، ظنّاً منهم أنها الدواء الشافي، فشلت في استرداد العافية، ودفق الدم في شرايينه، وإعادة التواصل الفاعل بين أطرافه، التي تمتد من الخليج إلى المحيط، وبعث الحياة في روحه عبر جهاز مناعي قوي، ونظام عصبي يستطيع مواجهة التحديات ومقاومة الأزمات، والبدء في مسيرة تنموية شاملة، وتحالفات مبنية على نوايا صادقة.
لقد بقي هذا الجسد المترامي الأطراف، الغني بالخيرات والموارد الطبيعية الهائلة، مريضاً ليس بسبب عدم وجود وصفة طبية تنقذه من الترهل والهشاشة، وليس لعدم التشخيص الدقيق لحالته المرضية، وإنما لأنه لم يقتنع بأي تشخيص، وبالتالي لم يؤمن بأي دواء، ولجأ مرة إلى الشعوذة السياسية، ومرة إلى المسكنات حتى استفحل المرض.
إن عدم نجاح أي فكر أو عقيدة أو مبدأ لم يكن بسبب فسادها، وإنما يعود إلى عدم التطبيق الشفاف والنقي والصادق، في ظل فساد العقول والنفوس، وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة؛ لأنه لو طبّق العالم العربي أو أي دولة فيه أي نظام حكم بشكل صادق ومؤثر، لنجح نجاحاً باهراً. فهنالك دول طبقت الاشتراكية وأخرى العلمانية وثالثة الملكية ورابعة الجمهورية وخامسة الفيدرالية وسادسة الكونفدرالية، ومن تلك الدول من تؤمن بالإسلام، ومنها من تؤمن بالمسيحية، وحققت جميعها التنمية والكرامة الحقيقية للإنسان، أي أن العقيدة أو نظام الحكم لم يقفا حائلين أمام التقدم والارتقاء وتحقيق الاستقلال والسيادة الحقيقيين، المشكلة إذاً في التطبيق والإخلاص وعدم الاعتماد على الآخر، إلا بما يفيد الأصل.
في كل المقالات التي كتبناها فيما مضى، كنا نشير إلى ضرورة وضع آلية صادقة؛ للتنسيق والتعاون والتضامن العربي، فالعالم العربي محكوم بجغرافيا واحدة ولغة واحدة ومصير واحد، ويتمتع بخيرات وموارد طبيعية وبشرية هائلة يمكنه الاعتماد عليها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فما هو غير موجود في بلد ما، يتواجد بكثرة في بلد آخر، وما ليس موجوداً في الصحراء، موجود في الجبال والسهول الخصبة، ولا حدود تمنع النقل أو تحقيق التبادل والتكامل الاقتصادي والمجتمعي؛ لكن هذا لم يحدث، فشلت جميع التجارب الوحدوية؛ بسبب عشوائيتها ووضعها العربات أمام الأحصنة، حتى تلك المرتبطة جغرافياً كدول المغرب العربي فشلت في توحيد صفها، ولعل تجربة الإمارات الوحدوية هي الأنصع والأكثر استدامة بين كل التجارب؛ لأنها تأسست على صدق النوايا في المنطلقات، وصدق في الأهداف، وصدق في التطبيق والتنفيذ، ولا أقول هذا من منظور «شوفيني» و«قُطّري»؛ لكن لأنها الحقيقة الماثلة منذ ستة وأربعين عاماً، وكل يوم يمر تزداد التجربة رسوخاً وشموخاً؛ لأنها حققت التكامل الصادق بين الإمارات، التي تعد نموذجاً وحدوياً ناجحاً للعالم العربي.
إن ما جاء على لسان أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، من «أن النظام العربي في مأزق، والحل في التعاضد والتكاتف والتعاون أمام الأطماع الإقليمية المحيطة، وأن المنظور الطائفي والحزبي ليس هو الحل»، هذه التغريدات، وإن كانت ترسل رسائل سياسية لحظوية نتيجة التحالفات المستحدثة في المنطقة العربية، بين دول عربية وأخرى غير عربية، إلا أنها من المنظور الاستراتيجي تكتسب أهمية بالغة، وتنطوي على فكر منطقي لا يختلف عليه اثنان، وكما قال: «فإن التنافس الإقليمي على العالم العربي يكون صدّه عربياً».
ولسنا في صدد محاكمة السياسات العربية، التي حكمت العالم العربي في السابق، التي تركت ثغرات كبيرة ومهمة، تسلل منها المذهبيون والطائفيون وأصحاب الأطماع الإقليمية، ولكن، وكما نعتقد، أنه من الحكمة والأهمية والضرورة أن يبدأ التفكير في سد تلك الثغرات، وهي عملية ليست سهلة أبداً؛ بسبب تراكم حضور الآخر؛ واستغلاله على مدى عشرات السنين لتلك الفجوة التي تعكس غياباً عربياً شاملاً؛ لكنها ليست مستحيلة؛ إذ يمكن اختزال عشرات السنوات بتحرك مكثف وصادق، يأخذ في الحسبان عروبة العالم العربي من خليجه إلى محيطه كأولوية قصوى، وتنقيته من الغرباء، وهم أصل المرض وأصل الداء، فمواجهة التشخيص بجرأة وشجاعة هي أول خطوة في مسيرة الشفاء.

suwaiji@emirates.net.ae


Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>