قال القلم: هل أنت على يقين من أن العالم العربيّ يعرف انتقاء الأصدقاء، وتحديد الأعداء بدقة؟ قلت: «ولو يا زلمة»، منذ الجاهليّة تردّد الأجيال قول طرفة بن العبد البكريّ: «عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه.. فكلّ قرين بالمقارِن يقتدي». المشكلة هي أنهم يسيئون تطبيق البيت، فلا يبحثون عن تقوية أنفسهم، ويتركون القياد للقرين القويّ الذي يقتدون به، فيتسلط عليهم ويملي ما يخدم مصالحه، التي سرعان ما يكتشفون أنها لا توافق مصالحهم، وعندئذٍ هيهات، فقد أصبحوا مجرّد أدوات في مخططاته.
قال: وما فائدة المخزون الثقافيّ الموروث إذاً؟ أين مكمن الخلل؟ قلت: إن التراث، أي ميراث، ليس سوى خزائن من المتناقضات المتضاربات، لكن العقل العربيّ لم يتلقّ طوال القرون الخالية تربية تؤهّله للنقد والاختبار والفرز والتمييز، لهذا لم يجد طريقه إلى آفاق حرّيّة الفكر والبحث العلميّ. كانت الفلسفة والفكر وحريّة التعبير في كمّاشة السلطتين الزمنيّة والدينيّة، ما يفسّر غياب أسس بناء دولة المؤسسات. في المقابل الواضح تماماً، كان الارتجال السّمة الغالبة على القرار، ما أوصل العالم العربيّ إلى المأزق التاريخيّ الحاليّ. أشك كثيراً في أن النظام العربيّ نفسه يعرف إلى أين هو سائر بالبلدان. المأساة هي أنه لا وجود لحسابات وحسابات بديلة. الأمور جليّة لأن المقاليد في أيدي أقوياء العالم.
قال: إن 2018 ليس سهلاً، لأن النظام العربيّ من دون خبرة نظريّة وتطبيقيّة متراكمة وعميقة في الألعاب الاستراتيجيّة، وسيجد نفسه في مباريات تاريخيّة من الشطرنج السريع (البليتز). قلت: نسأل الله التفكير جيّداً قبل اتخاذ أي خطوة، لا مثل المتنبّي: «ضربتُ بها التيه ضرب القمار إمّا لهذا وإمّا لذا»؟ هل يجوز الارتجال وانعدام الحسابات الدقيقة، مع الانتماء إلى مئات ملايين العرب على خريطة ستقرّر مصير النظام العالميّ بأسره؟ مصير المنطقة سيرسم معالم موازين القوى في هذا القرن، وربما ما هو أبعد؟ هذا نكران لقدرات بلداننا.
قال: أخشى ما نخشاه هو أن تفقد الشعوب الثقة بتلك الأنظمة التي أهملت التنمية، ولم تفرض وجودها عالميّاً، وباتت نائمة عن انجراف الدول إلى منحدر سحيق. عندما يخطط الأقوياء للفوضى الخلاّقة، وتتداعى السيادات على طريقة الدومينو، بينما الغاية غير خافية، وهي تسيّد الغاصبين على العرب جميعاً، بإذلال وكسر إرادة، فهل يمكن استبعاد ما يمكن أن يحدث عندما ترفض الشعوب هذه المعادلات؟ ما سرّ الاطمئنان العجيب إلى هذه الطمأنينة؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التوعويّة: يبدو أن الإعلام العربيّ أحوج العرب إلى التوعية.
abuzzabaed@gmail.com