أيام قليلة وينطلق في الشارقة مهرجان الشعر العربي في دورته السادسة عشرة. أيام قليلة ويستأنف الشعراء مهمتهم «السيزيفية» الجميلة في التعبير عن جواهر الأشياء، ومكنونات الأحداث اليومية، التي تفرضها علينا إيقاعات الضرورة أحياناً.
لعلها مناسبة ليطرح ذلك السؤال الذي لا يجد جواباً حتى اللحظة، ومنذ أن ابتدأ العرب قرض الشعر واعتباره تعبيراً سامياً عن حالات إنسانية متعددة: لماذا يحافظ الشعر على ألقه وعلى مكانته كمكون للوجدان، وناشر للبهجة، ومفسر لصراعات الإنسان مع نفسه ومع واقعه؟ لماذا برغم كل التطورات التكنولوجية وثورات الاتصال المتتالية، التي أتاحت بسهولة وسائل تعبير عديدة وسهلة وفي متناول الإنسان البسيط العادي، ما زال الشعر طريقة مختلفة ومطلوبة دوماً من قبل المتلقي للتعبير عن ما يجول في خاطره وما يعانيه؟
ربما سر جمال ذلك السؤال وسر استدامته أنه سؤال ينبغي أن لا يجاب قطعياً، ذلك أن الشعر بطبيعته كائن متعال على المباشرة والتعبير التقليدي، من هنا يمكن القول كمحاولة للإجابة عن ذلك السؤال الإشكالي، إن الشعر حافظ على تألقه الوجودي دوماً، لأنه كان يقول ما نريد قوله في اللحظة التي نريد فيها ذاك. كان يبعث عنا بورود حمراء للحبيبة. كان يحنو على جرحنا ذات انكسار فيلطفه ويضمده، ويبث فيه دماً جارياً. كان يلتقط خيباتنا السياسية وهزائمنا فيبث فينا روح الأمل، ويعطينا الإحساس بأن كل ما فات هو مجرد جولة.
كان الشعر العربي وما زال الوحيد من بين كل أنواع الأدب العربي، القادر على الاستجابة لما يطلبه الجمهور، حين يتألم مثلاً من عدوان همجي سافر على بعضه. كان الشعر وما زال يحمل هم الأمة، ويعبر عن دموعها الحارقة وهي ترى بعضها يهان ويداس بأيدي الاحتلال.
لم تستطع الرواية العربية ولا غيرها من أنماط السرد والتشكيل الأدبي، أن تستجيب للحظة ألم أو لحظة أمل عاجلة وتستدعي التعبير الفوري، وحتى لا نظلم الرواية وغيرها من أصناف الأدب العربي، علينا أن نقبل أن بنية الرواية وغيرها تختلف عن بنية الشعر. إن الشعر كان وما زال تعبيراً آنياً لا يحتاج سوى للإحساس، ثم التقاط ذلك الإحساس من بين أغوار النفس بمهارة وموهبة، ثم نصبه كغيمة فوق قلوب الناس ومشاعرهم، لتهطل تلك الغيمة باعثة ما يحيي موات النفوس ويعيد الأمل.
pechike@gmail.com