Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

سلاح الغواصات والصراعات الدولية

$
0
0
محمد خليفة

تستمر الدول الكبرى في مشاريع التسلح وفق أجندات خاصة، ذلك أن تعارض المصالح، والتسابق حول مناطق النفوذ يدفعان تلك الدول إلى زيادة الإنفاق على التسلح، واختراع المزيد من الأسلحة المتطورة التي تستطيع بها الدفاع عن نفسها، وحماية حدودها من هجمات الدول الأخرى. وتبدو روسيا إحدى تلك الدول التي تعمل بشكل مستمر على تحديث قواتها، وفي هذا الإطار فقد كشفت النقاب عن أحدث غواصاتها من طراز «ياسن» والتي تعمل «بدون صوت، وهي مزودة بمحرك نووي متطور حيث يتكون طاقمها من 90 شخصاً وسرعتها 20 عقدة بالساعة عند الطفو و 28 عقدة بالساعة عند الغوص في وضع صامت و35 عقدة بالساعة عند الغوص مع الصوت وتستطيع البقاء لمدة 100 يوم تحت الماء. وتحمل الغواصة صاروخاً بالستياً عابراً للقارات حاملاً رؤوساً نووية و32 صاروخ «أولبكس» مضاداً للسفن وصواريخ وطوربيدات وألغاماً مضادة للسفن.
وكانت روسيا قد اختبرت إطلاق صاروخ من طراز «بولافا» عابر للقارات من غواصة نووية وهي تحت سطح الماء. وتمت عملية الإطلاق من حوض البحر الأبيض بشمال روسيا، وأصاب رأس الصاروخ «هدفاً» في ميدان الرمايات التجريبية (كورا)، بشبه جزيرة كانتشاتكا في أقصى الشرق الروسي. وصاروخ «بولافا» مصمم استناداً إلى صاروخ أرض- أرض من طراز «توبول-ام»، ويبلغ مداه ثمانية آلاف كم، وفي الإمكان تحميله عشرة رؤوس نووية. وسيتم تزويد الغواصات النووية بهذا الطراز من الصواريخ.
ويعتبر نصف مخزون العالم من الأسلحة النووية مخبّأ تحت الماء في منصات لإطلاقها من الغواصات النووية التي تجوب 70% من سطح الكرة الأرضية. والغواصات النووية صناعة بالغة التعقيد. وهناك ستّ دول فقط قادرة على بنائها في العالم، وهي روسيا والولايات المتحدة والهند والصين والمملكة المتحدة وفرنسا.
والغواصة هي سفينة متخصصة يمكنها أن تغوص تحت سطح الماء، وكذلك أن تطفو، وبإمكانها التنقل تحت سطح الماء، وقد تم استعمالها لأول مرة على نطاق واسع من قبل الألمان في الحرب العالمية الأولى، فقد تمكن هؤلاء من صنع غواصات تدعى قوارب «بو» التي كان طول الواحد منها 87.3 متر، وعرضها 8 أمتار. واخترعوا جهازاً يعرف باسم «شنوركل» يسمح بإدخال الهواء إلى الغواصة أثناء وجودها تحت سطح الماء، وقد أدى ذلك إلى زيادة سرعة الغواصة زيادة كبيرة. وبدأت الغواصات الألمانية باستهداف سفن الحلفاء ولا سيما التجارية منها، وكان إغراق سفينة تجارية أمريكية في بحر الشمال، قادمة من الولايات المتحدة إلى بريطانيا، سبباً في دخول الولايات المتحدة الحرب ضد دول الوسط (ألمانيا والنمسا) عام 1917، وكان لذلك أثر كبير في تبدل موازين القوى في تلك الحرب لصالح الحلفاء (بريطانيا وفرنسا). وبعد اكتشاف الأسلحة الذرية في الحرب العالمية الثانية، تسابقت الدولتان العظميان، الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي السابق، إلى وضع هذه الأسلحة الخطيرة على متن الغواصات ليسهل لكل منهما الوصول إلى سواحل الدولة الأخرى واستهدافها عن قرب بتلك الأسلحة. وفي عام 1954 ظهرت أول غواصة تعمل بالطاقة النووية هي غواصة «نوتيلوس» الأمريكية. وقد تم من خلالها اكتشاف ممر بحري شمال غربي القطب الشمالي. والواقع أن الغواصات النووية لا تبنى مثل السفن الأخرى، بل يتم دمج أجزائها عبر الملايين من وصلات اللحام التي تربط مئات الآلاف من الأجزاء، وخلف كلّ وصلة لحام اسم العامل الذي قام بها. ويتم الاحتفاظ بهذه المعلومات على مدى كل فترة الخدمة التالية للغواصة.
وكانت الغواصة النووية «لينينسكي كومسومول» هي الأولى التي بنتها روسيا عام 1958، وفيما بعد بدأ بناء أسطول الغواصات الصاروخية - النووية الاستراتيجية. وزودت هذه الغواصات بصواريخ بالستية أو مجنحة بعيدة المدى من طراز «سطح - أرض»، ذات رؤوس نووية، أو طوربيدات من أجل الدفاع الذاتي. وبعد ذلك اخترعت روسيا غواصة نووية من معدن التيتانيوم اسمها «السمكة الذهبية»، وهي أول غواصة نووية في العالم مصنوعة من هذا المعدن. والتي سجلت رقماً قياسياً للسرعة تحت المياه بلغ 84 كلم/ساعة، لم يتجاوزه أحد حتى الآن. والواقع أن التخفي هو السلاح الرئيسي لأية غواصة. وفي هذه الميزة يكمن معنى وجود أسطول الغواصات. فكل غواصة يتم اكتشافها من الخصم، يمكن اعتبارها قد هلكت في تلك اللحظة. ولذلك كان الاهتمام بخفض الضجيج على الدوام الهمّ الأوّل لمصممي السفن المتخفية. وتسمح الأسرار التقنية للغواصات الروسية بأن تتواجد في مركز المناورات المضادة للغواصات التي يقوم بها «الناتو» دون أن تُكْتَشَف، وأن تظهر، من وقت لآخر، في خليج المكسيك. وأن تمتلك «عيوناً» يقظة و«آذاناً» مرهفة السمع لتنذر عن ظهور العدو، وتتعرف عليه على مسافة أكثر من 200 كم.
إن عودة التنافس العالمي من جديد بين وريثة الاتحاد السوفييتي- روسيا، وبين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، سوف يؤدي إلى ظهور أجيال جديدة من الأسلحة الفتاكة، والتي ستكون أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، وذلك في إطار مساعي كل طرف للتفوق على الطرف الآخر، وكسب الحرب الباردة الجديد.

med_khalifaa@hotmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>