تونس: عثمان حسن
شهدت فعاليات اليوم الثالث لمهرجان المسرح العربي في تونس، أربعة عروض مسرحية منها عرضان ينافسان على جائزة المهرجان وهما: المسرحية السورية «هن»، والتونسية «فريدوم هاوس»، وعرضان خارج المسابقة هما: المسرحية الأردنية «أوركسترا»، والتونسية «خمسة لحقوا بالجرة».
هوس السلطة
«فريدوم هاوس» مسرحية من تأليف وإخراج الشاذلي العرفاوي، وهي تدور حول شخصية جنرال يخطط للقيام بانقلاب عسكري، ولكن يكشف مخططه ليلة الانقلاب فيزج به في مستشفى الأمراض العقلية، ويتم تعذيبه عن طريق الأدوية والصدمات الكهربائية، إلى أن فقد عقله فتخيل في هوسه أن الانقلاب قد نجح فوضع عوالمه الخاصة من شخصيات وجيش وسلطة وجمهور وعدو وهمي متربص بنظامه. يحاكي العمل السياق الراهن لتونس، حيث تفتتح ستارة العرض بمشهد لجنود بملابس عسكرية خضراء اللون، وتتعالى الأصوات عازفة لسيمفونية رافضة للحكم العسكري.
أبطال العمل هم: محمد حسين قريع في دور الجنرال، وشاكرة الرماح ومنى التلمودي في دوري عاشقة الجنرال، وعبد القادر بن سعيد وشكيب الرمضاني اللذين أدَّيا دوري بطانة الجنرال التي انقلبت عليه بمرور الوقت وتطور الأحداث لغير صالحه، أمّا منصف بن مسعود فقد جسد شخصية موسيقي الجنرال تمثيلاً وعزفاً على آلة الساكسفون.
تدعو المسرحية إلى التمسك بقيم الحرية وعدم الانسياق وراء أوهام السلطة، ولكنّ عنوانها جلب لها انتقادات كثيرة، على الرغم من الدعوة الصريحة لجعل «البيت حرّاً من كل القيود».
في هذا العمل، ثمة رمزية وتصور نقدي لما هو عربي وإنساني، لتبيان فظاعة وسخرية هوس السلطة، والعرض لا يطرح أجوبة بقدر ما يثير عدة أسئلة يجد من خلالها المتفرج غايته من المتعة والفرجة الجمالية من خلال الصورة والملابس والديكور والسينوجرافيا وتلك الشاعرية التي رافقت أداء الممثلين على الخشبة.
آثار الحرب
الآثار التي تركتها الحرب على النساء، هي الفكرة التي ينطلق منها العمل السوري «هن» للكاتبة والمخرجة آنا عكاش، التي تقول في كلمتها الخاصة بالمسرحية وعلى لسان شخصياتها بالعامية السورية: «الحرب بتغير مفاهيم كتيرة وبتكشف أشياء مخباية جواتنا ما كنا منعرف إنو موجودة فينا، وبيجوز منعرف، بس ما بدنا نشوف، بس طلعت هيك الحرب مراية كبيرة أصفى من الميّ».
المسرحية من بطولة: إيمان عودة، إنعام الدبس، رشا الزغبي، لبابة صقر، جولييت خوري. يبدأ العرض بخمس نسوة يرتدين لباس الحداد، يرتلن سورة الفاتحة في مأتم جماعي كبير، فجميعهن مفجوعات بأزواج وأبناء وآباء وإخوة، وأعمام، وعشاق وغيرهم. ثم يبدأن بسرد القصص عن أبنائهن الذين كانوا إخوة يلعبون في الحارات نفسها ويأكلون معاً ويدرسون معاً، ثم كيف تحولت فجأة اللعبة البريئة بالأسلحة البلاستيكية إلى لعبة وحشية قتل فيها بعضهم بعضاً.
تقول إحدى الشخصيات: «من رمى الأسلحة الحقيقية بين أيديهم»؟ وفي معنى آخر من لوث البراءة في قلوبهم وجعلهم قتلة؟ لم تصدق الأمهات أن أيدي أبنائهن يمكن أن تحمل أسلحة حقيقية وتقتل.
الشخصيات النسائية الخمس ينتمين إلى ثلاثة أجيال، السيدتان الكبيرتان تمثلان الأمهات، وتسردان قصصاً عن أبنائهما وتبدوان أنهما تمثلان طرفين مختلفين تصارع أبناؤهما فقتل بعضهم بعضاً. وجعلت إحدى الأمهات ابنها الآخر يصبح لاجئاً لتنقذه من حمام الدم، هذه الأم صرخت: «واحد لي وواحد لك يا وطن»، وشخصية سيدة في متوسط العمر تتحدث عن الحب وعن عشاقها وعن جبل قاسيون الذي يلتقي فيه العشاق ليستمتعوا بجمال إطلالة مدينة دمشق من على كتفه. وكذلك عن أملها بأن تصبح ذات يوم أماً هي التي اضطرت في إحدى مراحل حياتها إلى إجهاض نفسها لكي لا تنجب طفلاً بلا أب في مجتمع يهين الأمهات العازبات.
الشخصيتان الأخيرتان الأصغر سناً هما صبيتان تمثلان الجيل الذي فتح عيونه على الحرب، والذي عاش الكارثة بكل تفاصيلها من الموت تحت القذائف إلى الموت على جبهات القتال المختلفة. هكذا أصبحت الفتيات اليافعات كهلات بسبب الحزن وفقدان الأحبة.
قدم العرض شخصيات واقعية من زمن الحرب والألم، بمشاهد بصرية وصور وألبومات من زمن الحرب، وزمن ما قبل الحرب الذي يفترض أنه كان آمناً، على خمس قطع قماش مؤطرة استخدمت كشاشات وأدوات عرض وكشباك اعتراف أحياناً. وقامت الممثلات بتحريك قطع الديكور جميعها أثناء الأداء.
نساء مضطهدات
مسرحية «أوركسترا» ثمرة تعاون بين المخرجة مجد القصص، والروائية سميحة خريس، جسد دور البطولة فيه كل من زيد خليل مصطفى ونهى سمارة وبيسان كمال خليل وسارة الحاج ودعاء العدوان وميس الزعبي.
صمم رقصات العمل آني قورة ليان، كما وضع موسيقاه التصويرية محمد طه، وشارك فيه غناء وعزفا على آلة الجيتار الفنان يزن أبو سليم.
«أوركسترا» دراما مسرحية غنائية عبارة عن كوميديا سوداء تسخر من واقع مصاب بالفصام تحمل هموم المرأة العربية المعاصرة وتحاول الوصول إلى منطقة مضيئة في ظل الظروف القاتمة التي تحيط بالمرأة والرجل على حد سواء.
في هذا العمل، منح الغناء والموسيقى والحوار مساحة أكبر بينما تقلص نصيب لغة الجسد، كما تلاعبت مجد القصص في هذا العمل بالزمن فجعلت الماضي يتداخل مع الحاضر وساوت في حضور الممثلين دون التركيز على شخصية رئيسية واحدة.
شخصيات تبحث عن مخرج
قدمت فرقة النهضة التمثيلية ببنزرت مسرحية «خمسة لحقوا بالجرة» من تأليف وإخراج لطفي تركي، وهي تتناول المعاناة الفردية في زمن القهر. يتحدث العمل عن كاتب مسرحي يعيش صراعا مع شخصيات مسرحية يقوم بكتابتها، تتكلم الشخصيات وتروي معاناتها، لنكتشف من خلالها خمسة أنماط اجتماعية مختلفة، متداخلة ومتصارعة، أول الشخصيات أستاذ التاريخ الذي يفرض على الكاتب أن يتخلى عن كتابة حكايات بقية الشخصيات، التي يعتبرها خاصة وفردية، وأن ينفرد بحكايته التي تحمل قضية عربية سياسية عامة، وأن يجعلها الحدث الأساسي لمسرحيته. ولكن كاتب المسرحية يعجز عن تحقيق ذلك، فتقرر كل الشخصيات الهروب أو الهجرة باحثة عن كاتب جديد قادر على جمع هذه الشخصيات حول حدث واحد وهم واحد وهدف واحد.