منذ أسابيع، لا بل شهور، نشأ انطباع بأن الحرب في سوريا سائرة في طريق النهاية، فالحروب مهما طال أمدها لا بد وأن تنتهي، بصرف النظر عن طبيعة هذه النهاية، أكانت بالحسم لصالح أحد طرفيها بالنصر على الطرف الآخر، أو أن يصل الطرفان إلى قناعة بعجزهما معاً عن حسمها لصالح أحدهما، فيفتشا عن حل وسط، لا يرفع فيه أحدهما، بالضرورة، راية الاستسلام البيضاء، وإنما يقبل بتنازلات تيسر تسوية تحفظ له ما يعرف بماء الوجه.
مردّ هذا الانطباع حول مصير الحرب في سوريا آتٍ من الحسم العسكري، الذي كان لروسيا بوتين اليد الطولى فيه لصالح النظام الحليف له في دمشق، وأيضاً الهزائم التي مني بها تنظيم «داعش» في كل من سوريا والعراق، واستعادة ما كان تحت قبضته من أراضٍ، ما ترتب عليه جولات من اللقاءات في الآستانة الكازاخية، ومما بدا أنه تبدل، حتى وإن كان ظاهرياً، من جانب تركيا في الموقف من دور بشار الأسد في مستقبل سوريا بعد إنهاء الحرب.
هذا الانطباع عن قرب النهاية لا يزال رمادياً ومشوشاً، وليس واضحاً بعد ما إذا كانت التطورات الميدانية الجارية الآن تدخل في مخاض ما قبل التسوية النهائية، حيث الأطراف مجتمعة تسعى لتحسين شروط تفاوضها حول ما ستخرج به من غنائم، أم أنه مقدمة لحرب جديدة لا تقل، إن لم تزد، شراسة عن تلك التي شهدناها حتى الآن.
تصرف فلاديمير بوتين كأنه قد حسم الأمر في سوريا لصالحه، خاصة أنه ضمن المكاسب السياسية التي سعى إليها بالتدخل العسكري هناك لحماية النظام من السقوط، بتوقيع اتفاقيات طويلة الأجل، باستخدام قاعدتين عسكريتين متطورتين على الأراضي السورية.
لكن موسكو ليست اللاعب الميداني الوحيد في سوريا، فواشنطن نجحت هي الأخرى عبر إنشائها وتمويلها وتسليحها لما عرف بقوات سوريا الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية، بإيجاد موطئ قدم لها على الأرض السورية، وأمس أعلن وزير الخارجية الأمريكي أن قوات بلاده لن تنسحب من المواقع التي احتلتها في سوريا؛ بحجة منع «داعش» من العودة مجدداً إليها.
إقليمياً ما زالت الميليشيات الإيرانية أو المدعومة من طهران طرفاً ميدانياً فعالاً في نصرة الجيش السوري في الحرب على قوات المعارضة العسكرية من كافة الأطراف، وما من سبب يحملها على الخروج من سوريا قريباً، وإقليمياً أيضاً توغّل الجيش التركي في عمق الأراضي السورية؛ لتوجيه ضربات عسكرية للمسلحين الأكراد المدعومين أمريكياً.
في كلمات يمكن القول إن الكل يحارب الكل في سوريا، أو يتوجس منه خيفة، أو يترصد لحظة الانقضاض عليه، ما يضفي كل الوجاهة على السؤال عما إذا كانت غاية استعراض القوة هذا إملاء الشروط في التسوية المنتظرة، أو التحضير لحرب أوسع تحسم ما لم يحسم بعد؟
madanbahrain@gmail.com
د. حسن مدن