ولدت في السنوات القليلة الماضية، ومع بروز وانتشار وسائل الاتصال الاجتماعي، إمكانات عدة للتعاطي مع المنتج الأدبي، وهي في أغلبيتها مواقع إلكترونية، تتمتع بميزة من المرونة في التعاطي مع المنتج الأدبي سواء كان شعراً، أو قصة، وبالأخص الرواية.
تفرد هذه المواقع مساحات واسعة للقراء، ليعبروا عن فهمهم، وطرق تفاعلهم مع هذا المنتج الأدبي، كما هو حال موقع «جود ريدز»، الموقع الأشهر في نشر المنتج الروائي والتعليق عليه من قبل شريحة واسعة من القراء، وهذا أصبح يشكل نافذة مهمة لجهة الصراحة في نشر آراء القراء، سلباً أو إيجاباً.
وللتعليق على هذه الظاهرة، يمكن التأكيد على أن هناك الكثير الكثير من التعليقات الناقدة التي تتميز بنوع من الوعي والتحليل في ملاحقة النص وشخوصه وأحداثه، والاشتباك مع هذه النصوص في حوارية مدهشة، تكشف عن ولادة جيل واسع من القراء الجادين المهمومين بالثقافة، ودورها في التأسيس لتطور الأدب والإقبال عليه.
غير أن هذا، لا يمنع هذا الموقع من الوقوع أحياناً في مطب الرتابة، واشتماله على كلمات وعبارات مقحمة، وخارج حدود اللياقة الأدبية والنقدية.
ومرة أخرى، فإنّ اللافت في «جود ريدز» وما يحمله من آراء، هو تماسه المباشر مع المقروء، من دون اللجوء إلى أسس النقد المنهجي، وذلك بطبيعة الحال لا يضير النقد المنهجي، أو يقلل من شأنه، لكنه بحسب آراء كثيرين، يضيف إلى مرونة التفاعل مع النصوص، ويضيف إلى المنهج النقدي والنظرية الأدبية، ما يمكن اعتباره إضافة نوعية للقراء الذين لا يستوعبون المنهج النقدي الذي اعتاد على تأطير تحليلاته بجرعة أكاديمية لا تكون مفهومة عند أغلبية القراء.
ربما يشكل هذا الموقع، وغيره من المواقع المشابهة، بديلاً موضوعياً عن خلو الساحة النقدية من المتابعة الجادة والدؤوبة للأعمال الأدبية، وهي أزمة بدت تلوح في الأفق في السنوات القليلة الماضية، وهو الذي خلق فجوة بين القراء والمشتغلين في النقد ممن عرف عنهم ملاحقتهم للنصوص الإبداعية واكتشاف جمالياتها ومستوياتها العميقة.
هل تشكل هذه المواقع بديلاً عن النقد الأكاديمي وتراجعه؟ وهل تكون هذه المواقع ضالة الباحثين عن المتعة الجمالية والفكرية للأدب؟ كلها أسئلة مشروعة تنتظر إجابات شافية.
سبق للروائي المصري بهاء طاهر، أن وصف أزمة اختفاء النقاد، بأنها أزمة طاحنة، لاسيما وهو ينتمي لجيل ثقافي كبير، تربى على تفاعله مع طروحات النقاد في مصر ومع ما أفرزته ذائقة هؤلاء من تيارات فكرية مختلفة، أثارت جدلاً إيجابيا في الساحة الثقافية، فهل يشكل هذا الرأي أيضاً، نوعاً من المراجعة حول اختفاء المنابر النقدية، وتقلص المساحات المخصصة لها؟
ohasan005@yahoo.com
عثمان حسن