Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

من هو «الآخر»؟

$
0
0

د. حسن مدن

أسعدني أن أقدم ضمن فعاليات: «منتدى البحرين للكتاب»، كاتباً وكتاباً مميزين. الكاتب هو الناقد والأكاديمي الدكتور سعد البازعي، أحد أبرز وجوه المشهد الثقافي الحداثي في المملكة العربية السعودية، أما الكتاب فهو مؤلفه: «الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف»، حيث يُميز الكاتب بين الأمرين، فالأول، أي الاختلاف الثقافي، سمة من سمات الثقافة، أما ثقافة الاختلاف فهي الثقافة المتراكمة نتيجة الوعي بالاختلاف، والصدور عن ذلك الوعي ودراسته وتحليله.
الاختلاف الثقافي ظاهرة منفصلة عن الذات التي تمارس النظر والتحليل والحكم، في حين يجوز القول إن ثقافة الاختلاف هي فن إدارة الاختلاف الثقافي، وتأمله واتخاذ موقف تجاهه.
أبواب الكتاب وموضوعاته تحيلنا إلى «آخر» نتفق معه، أو نختلف، نتماهى فيه أو نتناقض معه، نأخذ منه أو نعطيه، أو الأمران معاً، ننفتح عليه أو ننغلق. وعلى هذا السؤال ينبني سؤال تالٍ: هل هناك آخر واحد فقط، أم مجموعة من الآخرين. ونستدل من الكتاب، ومن سياق معارفنا وتجاربنا عامة، أن «الآخر» هم آخرون، وليس واحداً. حتى على صعيد الجنوسة، أو الجندر، فالرجل هو «آخر» المرأة، والمرأة هي «آخر» الرجل، بل يمكن أن يكون «الآخر» هو نحن أيضاً حين نرى أنفسنا في مرآة حقيقية، أو مجازية، واستشهد المؤلف بقول الشاعر الفرنسي رامبو «أنا هو الآخر»، وهو يكثف تجربته في الترحال والإقامة في إفريقيا.
والرجل قد يكون هو الأجنبي، أو الأعجمي، الممثل لثقافة أخرى والناطق بلغة أخرى، والذي له مصالح أخرى قد تتعارض مع مصالحنا حيناً، وتتقاطع معها حيناً آخر، ويمكن أن يكون «الآخر» معنا في المجتمع نفسه والبلد نفسه، ويمكن للسياسة أن تلعب لعبتها في هذا المجال، فتتغير صورة هذا «الآخر» تبعاً لتغير الظروف والمصالح.
وطبيعي أن يكون الآخر، في بعض الحالات، عدواً، في صورة مستعمر، أو محتل أو غاز، لكن المؤلف في أحد مواضع الكتاب يتحدث عن «أنسنة العدو»، وهو يدرك ما يمكن لهذه الدعوة أن تثيره من ردود فعل في الأذهان، فالعدو عدو، ولا يمكن لنا تخيله في صورة أخرى نقيضة. لكن المؤلف يوضح أن العدو يمكن أن يكون ضحية لنفسه، ضحية خيانته لإنسانيته نفسها.
على صعيد الانشغالات الفكرية العربية في اللحظة الراهنة هناك افتنان بدراسة ذواتنا في مرآة آخرنا في الغرب، ورغم أن بعض هذه المعالجات سعت لأن تتناول العربي «ناظراً ومنظوراً إليه»، بمعنى كيف ينظر هو إلى الآخر، والآخر الغربي خاصة، وكيف ينظر هذا الآخر الغربي إلينا، لكن الغالب في هذه المعالجات هو التركيز على الشق الثاني، أي إلى العربي منظوراً إليه، وليس بصفته ناظراً إلى الآخر، وفي محلها تماماً إشارة الدكتور البازعي إلى أن هذه النظرة هي نتاج بنية ذهنية أكثر من كونها حقيقة واقعة.

madanbahrain@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>