Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

خطورة أن يغيب القرار

$
0
0
د. محمد السعيد إدريس

الأسبوع الماضي جاء حافلاً باللقاءات والاجتماعات والمناقشات، لكنه رغم ذلك غابت عنه القرارات. كانت البداية قوية ومحفزة للطموحات ممثّلة في المؤتمر العالمي لنصرة القدس الذي نظّمه الأزهر الشريف، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، وبحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس وممثلي ست وثمانين دولة من مختلف قارات العالم يومي (17 و18 يناير2018)، وهو المؤتمر الذي أصدر بياناً قوياً تلاه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، تضمّن مواقف جريئة رافضة بصراحة ووضوح شديدين قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص القدس، معتبراً أنها «لا تعدو أن تكون حبراً على ورق»، وهي «مرفوضة رفضاً قاطعاً وفاقدة للشرعية التاريخية والقانونية والأخلاقية»، ومؤكدة أن القدس «هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة»، وأن عروبة القدس «أمر لا يقبل العبث، وهي ثابتة تاريخياً منذ آلاف السنين»، ومطالبة حكومات دول العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، بالتحرك السريع والجاد «لوقف تنفيذ قرار الإدارة الأمريكية، وخلق رأي عالمي مناهض لهذه السياسات الجائرة ضد الحقوق والحريات الإنسانية».
البيان مفاجأة، بكل المعايير، ولأنه كان مفاجأة، فقد أبقي محاصراً داخل هذا الإطار الاستثنائي، وتم تجميده عملياً، أو «تجاهله الإعلام العربي عمداً»، كونه استثنائياً، أي خارج سياق الأحداث التي تفرض نفسها على أرض الواقع، والتي كشفت عن نفسها بوضوح شديد في عودة ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي «فتح» و«حماس» إلى المربع الأول، مع تصاعد الخلافات بين الحركتين حول خطوط «حماس» الحمراء: سلاح المقاومة وملف الموظفين وأمن غزة، ومع جمود الوساطة المصرية بين الحركتين، في الوقت الذي غابت فيه الكهرباء عن الأقصى، ولم تعد مصابيح قبّة الصخرة المشرفة تضيء منذ أن أُطفئت يوم السادس من ديسمبر الفائت مع إعلان الرئيس الأمريكي قراره المشؤوم الخاص بالقدس، فخطة الاحتلال هي منع أي إصلاح أو ترميم بالمسجد الأقصى، حتى يصبح «غير صالح للصلاة».
بيان الأزهر أعلن مواقف، لكنه في النهاية قدّم توصيات، لم يصدر قراراً واحداً، وترك أمر القرارات لحكومات الدول الإسلامية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكل من يعنيهم الأمر، في الوقت الذي يتعفف فيه من يعنيهم الأمر عن إصدار قرارات تفعيل هذا البيان، باتخاذ إجراءات تنهي عملياً قرار ترامب وإدارته، لكن نائب ترامب مايك بنس وصل إلى القاهرة ومنها إلى عمّان، ثم إلى «إسرائيل» بعد أيام من بيان مؤتمر الأزهر، وبعد أيام من اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني دون أن يجد أية أصداء تذكر لهذا البيان، سوى إيضاحات، مجرد إيضاحات، حرص العاهل الأردني أن يعرضها على بنس من نوع أن «القدس هي مفتاح للمسلمين والمسيحيين، كما هي الحال بالنسبة لليهود، وهي مفتاح السلام ومفتاح لتمكين المسلمين من محاربة بعض أسباب جذور التطرف بشكل فعال»، ومن نوع «أنا واثق أن زيارتك هذه هي من أجل إعادة بناء الثقة والالتزام»، إيضاحات امتزجت بالحرص على تشديد «صداقة الولايات المتحدة مع الأردن.. والتي كانت شريكاً وقفت دائماً مع بلدنا في أوقات صعبة للغاية».
كذلك أيضاً كان حرص أصحاب الشأن والقرار في قيادة السلطة الفلسطينية على عدم الصدام مع سلطات الاحتلال ورئاسة الحكومة في «إسرائيل»، وتجلى ذلك بوضوح في القرارات الباهتة التي صدرت عن اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي غابت عنه حركتا «الجهاد الإسلامي» و«حماس» والجبهة الشعبية القيادة العامة، وشهد صداماً عنيفاً بين ممثل جبهة تحرير فلسطين عمر شحادة والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كانت حركة «حماس» مدركة مبكراً لحقيقة أن ظروف انعقاد المجلس المركزي لن تمكنه من القيام بمراجعة سياسية شاملة ومسؤولة، وستحول دون اتخاذ قرارات ترقى إلى مستوى طموحات الشعب الفلسطيني واستحقاقات المرحلة، وكانت قد وضعت شروطاً لحضورها لم تجد من يستجيب لها، أوّلها أن يعقد المؤتمر خارج الأراضي المحتلة، واقترحت العاصمة اللبنانية، كي يتخذ المجلس قراراته بحرية بعيداً عن ضغوط الأمر الواقع التي يفرضها الاحتلال، أما حركة الجهاد الإسلامي فقد رفضت الحضور لتأكدها من أن «القرارات والبيان الختامي معدة مسبقاً»، وأنها «لن تكون شاهد زور».
ربما يكون هذا هو القرار الوحيد الذي له مصداقية، لكنه ليس قراراً يقود إلى حل، بقدر ما يقود إلى أزمة فلسطينية أولاً بين الفصائل، ربما يكون صداها الحقيقي على المستوى الشعبي الذي يقدّر له الآن أن يكون صاحب القرار الذي ما زال غائباً.

msiidries@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>