القاهرة: «الخليج»
تعد المملكة المتحدة من الدول الفاعلة في تطور السينما تكنولوجياً وتجارياً وفنياً، وربما تعد الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة في تقديم نجوم السينما العالميين، وبرغم تاريخها الناجح في الإنتاج فإن صناعة السينما الإنجليزية تتعرض لنقاش حاد دائم حول هويتها، سواء الثقافية أو الاقتصادية، وتأثير كل من السينما الأمريكية والسينما الأوروبية عليها، ومن المنصف أن نقول إن هذه السينما قد مرت بفترة ذهبية قصيرة في الأربعينيات من القرن الماضي.
وكما يشير أحمد شوقي عبد الفتاح في كتابه «أضواء على السينما البريطانية» فإن هذه السينما تواجه نوعا من الاضطهاد الغريب الذي مارسه الأمريكيون عليها عبر المحيط، ومارسه بصورة أخرى الفرنسيون لأسباب تاريخية مفهومة، ففي الثلاثينيات من القرن العشرين تسربت فكرة مؤداها أن السينما شكل من الفنون لا يتناسب والشخصية الإنجليزية، هذا التقييم الخاطئ تبناه بعض النقاد والمؤرخين السينمائيين.
تدور السينما البريطانية في مسيرتها الطويلة عبر عدة محاور أساسية فهي تبحث طول الوقت عن هويتها الضائعة في الهوية الأمريكية، وقد وجدوا متنفسا لهم في الأفلام التراثية التاريخية القديمة التي تعبر عن تجارب وشخصيات لا يمتلك المجتمع الأمريكي مثيلا لها، بحكم حداثة نشوئه، فتاريخ الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وقصص الملوك والملكات تعبر عن هوية خاصة لا يستطيع أحد أن يخطئها، لكن العقبة تكمن في الجمهور الذي لا يفرق أحيانا بين الفيلم كمحتوى وبين الفيلم كصناعة، فتنسب بعض أهم الأفلام التاريخية البريطانية للسينما الأمريكية، دون أن يكون هذا صحيحا، وقد أسهم الإنتاج المشترك والتداخل بين تعريفات النقاد والمؤرخين في هذا الاضطراب.
ارتبطت الواقعية بالسينما التسجيلية البريطانية برباط وثيق، حيث استلهمت منها التصوير خارج الاستديوهات والتقشف في جماليات الصورة بما يتناسب مع الشخصيات والأحداث والأماكن التي تدور فيها، لقد كانت السينما التسجيلية هي التي قدمت بريطانيا للعالم من خلال أفلام رائعة سجلت صور الحياة والحرب بشكل لم تستطع السينما الروائية أن تكون بصدقه.
عبر صفحات هذا الكتاب نجد تعبير السينما البريطانية عن نفسها وعن المجتمع البريطاني، وعن التنوع السينمائي، والتنوع في واقع الحياة حيث كانت السينما مرآة لرصد تغيراته.