القرية العالمية.. تجربة إماراتية نجحت خلال 22 عاماً في أن تضرب أرقاماً قياسية كل عام في أعداد الزائرين، وحجم الخدمات المقدمة، وأصبحت علامة تجارية تسعى العديد من دول العالم لاستنساخها، وإقامة فروع منها في المدن الكبرى، وكما استنسخت باريس «ديزني لاند» الأمريكية، فقريباً قد تتحول القرية العالمية في دبي، إلى تجربة عابرة للقارات والحدود والدول. وحول أهم المستجدات لهذا العام في القرية، التقينا بدر أنوهي، الرئيس التنفيذي للقرية الذي انضم لفريق عمل القرية العالمية عام 2017، في منصب الرئيس التنفيذي، ليكمل مسيرة القرية العالمية الناجحة، التي استقطبت أكثر من 5.6 مليون ضيف في الموسم الماضي.
قبل انضمامه إلى القرية العالمية، عمل بدر أنوهي في شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة «دو»، حيث ترأس إدارة المشاريع وإدارة جودة الشبكة، ثم انتقل ليكون مسؤولاً عن قسم التحصيلات والشؤون القانونية، مع محفظة تقدر ب 6 مليارات درهم.
وبعد أسابيع قليلة من تولّيه المنصب كان لنا معه هذا الحوار، للتعرف إلى رؤيته وطموحه وأهم أدواته للحفاظ على ريادة القرية العالمية وتميزها، بعد انضمامها لقطاع الترفيه الناشئ في الدولة، وفي ظل المستجدات على الساحة في هذا المجال. وقد فتح لنا قلبه وعقله في السطور التالية:
* حدثنا عن علاقتك بالقرية العالمية قبل تولي المنصب وبعده؟
قبل تولي هذا المنصب كنت أزور القرية العالمية مع أسرتي بشكل دائم، فقد اعتبرتها دائماً من أفضل أماكن التنزّه العائلية في الأماكن المفتوحة، خاصة في فترة الطقس الشتوي الجيد، وكنت أحرص على تسوق بعض المنتجات منها كل عام، وعندما توليت المنصب أصبحت أنظر للمكان بطريقة مختلفة تماماً، فلم أعد زائراً بل أصبحت بيتي الثاني. فالقرية العالمية صرح عمره 22 عاماً، وحققت مشواراً طويلاً من النجاح وأصبحت من الأماكن التي تخدم الأسرة بالكامل، وتقصدها العائلات في الدولة، وهذا يلقي على كاهلنا مسؤولية كبيرة في الحفاظ على النجاح واستثماره، والحفاظ على ريادة القرية، فأصبحت مقيماً فيها بشكل كامل، حيث علينا العمل المتواصل لمواجهة المستجدات في قطاع الترفيه على مستوى دولة الإمارات ومنطقة الخليج بالكامل.
* ما هي أولوياتك في وضع رؤيتك لإدارة القرية العالمية؟
من أهم أولوياتنا دائماً الحرص على التطوير الدائم ومواكبة كل ما هو جديد، وأن نظل دائماً رواداً في هذا المجال ولا نعتمد على كوننا من أقدم الوجهات الترفيهية المفتوحة بالدولة، ولكننا نحرص على مراقبة كل ما يطرأ على ساحة الترفيه من مشاريع، خاصة أن هذه المستجدات وتعدد الوجهات الترفيهية يثري القطاع، ويشكل منافسة إيجابية تزيدنا حماساً لزيادة التقدم.
وسابقاً كانت القرية العالمية تابعة لقطاع الإعلام، أما الآن وبعد إنشاء قطاع الترفيه الذي ساهمت القرية بشكل كبير في تحديد ملامحة، فقد أصبحت جزءاً من هذا القطاع الذي يضم أيضاً وجهات ترفيهية أخرى، مثل دبي «باركس أند ريزورتس»، و«إي إم جي» وغيرها، ووجود هذا القطاع المتخصص في الترفيه يعكس اهتمام الدولة بهذا النوع من الخدمات، ويدفعنا لمزيد من الابتكار والتطوير، للحفاظ على ريادتنا وإثراء تجربة سكان الإمارات وزوارها.
ترسيخ الهوية المؤسسية
* ما هي خططك وطموحك لمستقبل القرية العالمية؟
نحن نضع خطوطاً عريضة للاستراتيجية القادمة، وهناك خطط للمواسم القادمة أهمها ترسيخ الهوية المؤسسية للقرية العالمية، حيث تتحول القرية العالمية إلى علامة تجارية تسعى دول أخرى لاستنساخ تجربتها، وفتح فروع أخرى لها، وهناك خطط لتكرار نموذج القرية العالمية خارج دولة الإمارات، وبالفعل استقبلنا طلبات عديدة من عدة دول، وهناك مباحثات جادة في هذا الأمر مع بعض الدول، مثل المملكة العربية السعودية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وندرس هذه الطلبات، حيث يجب أن تتفق مع معايير القرية العالمية واشتراطاتها.
* ماذا عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة على الأسعار بالقرية؟
الضريبة تم تطبيقها بكل مكان في الدولة، ولكننا قررنا أن تتحمل إدارة القرية هذه الزيادة ولا نحملها للزائر في أي مرحلة من مراحل التعامل مع القرية، سواء بالنسبة لأسعار التذاكر أو خدمة صف السيارات أو أسعار الباقات العائلية، إضافة إلى ذلك نساعد أصحاب المحلات والعارضين على تسوية حساباتهم، وتعريفهم بقوانين الدولة وتحديد أسعار السلع بعد إضافة الضريبة.
تجديدات وتوسعات
* تعودنا من القائمين على القرية العالمية على أن يخوضوا كل عام تحدي زيادة أعداد الزوار عن العام السابق. كيف قمت بالاستعداد لخوض هذا التحدي وتحقيق رقم 6 ملايين زائر لهذا الموسم؟
بالفعل استعدت القرية العالمية هذا العام لاستقبال زوارها، بتجديدات وتوسعات لزيادة وسائل الراحة وتسهيل تجربة الزائر، فزيادة المساحات الخضراء المخصصة للراحة، وزيادة مواقف السيارات وتطوير منطقة الملاهي «كرنفال»، والاستعانة بألعاب جديدة مستوردة من الخارج تستخدم لأول مرة، إضافة إلى الحرص على تقديم محتوى ثقافي ترفيهي أكثر تنوعاً وابتكاراً، إضافة لزراعة 10 آلاف شجرة تركزت بمنطقة المواقف، للحفاظ على البيئة وراحة الزوار.. كل ذلك يصب في زيادة الإقبال وكسر الأرقام القياسية السابقة، التي حققتها القرية.
كما تبنّت القرية توجهاً جديداً هذا العام، وهو أن تكون صديقة لأصحاب الهمم، وتمثل ذلك في التوسع في الخدمات المقدمة لهم، والأماكن التي تعمل على مساعدتهم وتخصيص العربة الأخيرة لهم بقطار نقل الزوار، من مواقف السيارات، بحيث تساهم هذه الخدمات في تشجيع شريحة هامة بالمجتمع، للاستمتاع بالقرية العالمية.
*اتبعتم هذا العام أسلوباً جديداً ومكثفاً للاحتفال برأس السنة؟ هل حقق أهدافه؟
من أهم عناصر جذب الزوار أيضاً، هو حرصنا على التجديد والابتكار في فعالياتنا.. فعلى سبيل المثال، في احتفالاتنا بليلة رأس السنة هذا العام، استخدمنا أسلوباً جديداً وقد حقق نجاحاً مذهلاً وإقبالاً غير مسبوق، حيث تم إطلاق باقة جديدة من الألعاب النارية سبع مرات، بحيث تحتفل كل منطقة زمنية بحلول رأس السنة في الجناح الذي يمثلها.. وبلغ زوّارنا في يوم رأس السنة وحده، ضعف عدد زوارنا في نفس اليوم من العام الماضي.
* فيما يخص الزحام في الحفلات التي يقوم بإحيائها النجوم الكبار.. كيف تتم السيطرة عليها وهي تشهد حضور عشرات الآلاف في وقت واحد أمام منطقة المسرح؟
منطقة المسرح الثقافي التي تقام بها الحفلات، خضعت لدراسة واسعة لضمان استيعابها الأعداد الكبيرة من دون أن يتسبب ذلك في أي فوضى أو مضايقة للزوار، وهناك العديد من التفاصيل المهمة التي تم الانتباه لها لضمان ذلك، فمثلاً قمنا باستخدام الحواجز المعدنية المرنة الجديدة التي تم تصميمها بطريقة أقوى، تجعلها تتحمل وجود الآلاف من دون أن تتأثر؛ لأن فعاليتها تكون أكبر، كلما زاد التدافع فتزداد صلابة ولا يمكن اختراقها.. وقمنا بتوفير مساحات خاصة بالطوارئ، ومسارات خاصة في حالة حدوث أية أحداث طارئة تستدعي دخول سيارات الإسعاف، إذا حصلت إغماءات أو اختناقات، كما أن المنطقة كلها مغطاة بالكاميرات الذكية وأجهزة الاستشعار لكشف أي تكدس أو سلوك غير معتاد يتطلب التدخل الفوري، ونحرص دائماً على التعامل مع الأحداث بهدوء وبشكل لا يزعج أي زائر.. وقوتنا تكمن في التدريب الجيد والاهتمام بالتفاصيل، والتنسيق مع المؤسسات الحكومية والجهات الأمنية، خاصة شرطة دبي التي تكثّف وجودها بالطبع في هذه المناسبات؛ لأن وجودها في حد ذاته يشكل نوعاً من الردع.
استشعار إلكتروني
* وماذا عن الكشف عن السلامة والأمان للألعاب بمنطقة الملاهي «الكرنفال»؟
أولاً.. هذا العام لأول مرة نستخدم ألعاباً صنعت خصيصاً للقرية العالمية، ولم تستعمل من قبل.. وهي أجهزة ذكية لديها استشعار إلكتروني ذاتي، لقدراتها وقياس الرياح والأمطار، بحيث تقيس كل العوامل الموجودة حولها، وتتحكم ذاتياً لتقوم بتخفيض سرعتها والتوقف تدريجياً، وإنزال الركاب بسلام وأمان إذا ما استشعرت الأجهزة أي مشكلة.. وهذه الألعاب تم اختبارها أكثر من مرة على 3 مراحل، وتعاملنا مع أكبر شركتين على مستوى العالم في مجال ترخيص هذه الألعاب، ولقياس السلامة يقوم فريق من هذه الشركات بمراقبة عملية تصنيع وتركيب الألعاب بأوروبا كمرحلة تجريبية، ثم يشرف على عملية نقلها وتركيبها في منطقة الألعاب بالقرية العالمية، ثم نحصل على موافقة قسم الأمن والسلامة ببلدية دبي.. كل هذه الإجراءات يعقبها التفتيش اليومي الذي يقوم به فريق الأمن والسلامة الخاص بالقرية العالمية، كما أن العاملين على تشغيل هذه الألعاب من المتخصصين والمؤهلين لهذا النوع من العمل.
* هل تشعر بالتحدي لقيادة مكان حقق نجاحاً كبيراً على مدى 22 عاماً وتصبح مطالباً بأن تحدث جديداً ورقماً قياسياً كل عام؟
بشكل عام أي منصب جديد يحمل تحدياً، ولكن التحدي بالنسبة لي يشكل حافزاً يدفعني للنجاح.. وطوال مسيرتي المهنية السابقة، اجتزت عدة تحديات، وبتوفيق من الله.. كما أننا نحن أبناء دولة الإمارات نعتبر التحدي شيئاً أساسياً في تكويننا، ولا نعتبره أبداً مصدر إزعاج أو ضغط يقودنا للخلف، ولكن على العكس تعوّدنا على تخطي التحديات بنجاح وإبهار.
وأهم الركائز التي تساعدني على اجتياز مسؤوليات ومهام المنصب، هي وجود فريق عمل بالقرية مدرب، ويشكل منظومة متكاملة من المحترفين، وكل فرد يؤدي دوره على أكمل وجه، وأساس خطتنا لهذا العام قائمة على الابتكار والتجديد.
أرقام ومفاجآت
* بعد مرور شهرين على الافتتاح كيف تقيّم نجاح القرية؟
أهم مقياس إضافة إلى الأرقام المتزايدة من زوار القرية خلال هذه الفترة، التي زادت على العام الماضي بالفعل، وقريباً سنعلن أرقاماً ومفاجآت عن أهم إنجازاتنا لهذا الموسم.
ولكن المقياس الواضح أنه على الرغم من وجود أماكن ترفيهية متعددة، تم افتتاحها بالدولة والمشاريع والمستجدات في هذا المجال، لم تتأثر مبيعات القرية العالمية أو إقبال الزوار عليها، بل على العكس زاد.
وعلى رأس كل شيء فالعام الماضي كان مقياس السعادة 9 من 10، وهذا العام توسعنا أكثر في قياس رضا الجمهور بشكل أكثر شمولية، وخصصنا استمارة استبيان توجد على الموقع الإلكتروني لاستطلاع آراء مشتري التذاكر إلكترونياً، بشكل أكثر دقة وتفصيلاً.
* إذا كان الزحام والإقبال معياراً للنجاح.. فماذا عن عمليات التأمين لمنع أن تحوّل هذا الزحام إلى بيئة للسرقات أو ضياع الأطفال؟
نحن في دولة الإمارات نتمتع بحالة من الأمن الكامل، والشعور بالأمان ظاهرة عامة يرصدها الجميع.. وأعتقد أن القرية العالمية خير نموذج على ذلك، ففي ليلة رأس السنة وعلى الرغم من الرقم القياسي الذي حققناه في الحضور، إلا أننا لم نرصد جريمة سرقة واحدة.
العمليات الذكية
عن تسهيل وإثراء تجربة الزائر للقرية العالمية قال بدر أنوهي : من أهم الاستراتيجيات التي نتبعها هذا العام، استراتيجية العمليات الذكية لاستيعاب أعداد كبيرة من الزوار، وتفادي مشاكل الزحام وتوفير الخدمات كاملة..
فعلى مدى 7 أشهر الماضية، عملنا على تطوير البنية التحتية لتستوعب أعداداً أكبر من الزائرين، وزيادة عدد كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار، للكشف عن أماكن التكدس والزحام وتحقيق قياس مباشر وفوري لما يحدث على الأرض.. وهناك مركز عمليات يراقب حركة الزوار وتكدس الزحام، بحيث يتم التعامل معها بشكل سريع، لتفادي أي مشاكل ناتجة عن هذا الزحام، كما أن بيع تذاكر الدخول إلكترونياً يساعد في منع التكدس على البوابات، وخلال أيام قليلة، سيتم إضافة أجهزة استشعار إلكترونية بجميع مواقف السيارات بالقرية،لتحديد الأماكن الشاغرة والمزدحمة بها».
المسؤولية المجتمعية
حول المسؤولية المجتمعية التي تتبناها القرية العالمية قال بدر أنوهي: هذا واجب ونحرص على دورنا الوطني في خدمة المجتمع.. ولدينا جناح «الصنعة» الذي يعرض منتجات الأسر الإماراتية المنتجة من خلال 50 محلاً تابعاً لوزارة تنمية المجتمع.. وخصصنا 30 محلاً لمؤسسة محمد بن راشد لعرض مشاريع الشباب المبتكرة ومنحهم منصة جيدة للتسويق وصندوق مؤسسة خليفة بالإضافة إلى محلين للمؤسسات العقابية بأبو ظبي ودبي وقررنا التعاون مع الحرفيين بهذه المؤسسات وشراء مشغولاتهم الخشبية تشجيعاً لهم على الاستمرار بالعمل.
مسرح المواهب
تحدث بدر أنوهي عن مسرح المواهب فقال: هذا المسرح أصبح نقطة مهمة من نقاط الاحتكاك بالقرية، ويحقق نجاحاً كبيراً ولدينا طلبات عديدة للمشاركة.. ووسيلة الاشتراك سهلة عبر ملء استمارة في موقعنا الإلكتروني.. كما تواصلنا مع المدارس وفتحنا باب المشاركة أمام الفرق الفنية والطلاب الموهوبين بالمدارس والمشاركة مجانية أمام جميع المواهب من جميع الأعمار وهي فرصة لإبراز وتشجيع المواهب بالدولة.. وسعدنا كثيراً بما نراه من فخر وسعادة أولياء الأمور وهم يشاهدون مواهب أطفالهم.. فنحن نوفر لهم منصة مجانية مجهزة أمام الآلاف من الحضور وننوي تطوير هذه الفكرة في المواسم القادمة بعد ما رأيناه من إقبال.. وتستمر هذه الفعالية حتى يوم 3 فبراير.. والطلبات متزايدة عليها.
كبار السن
حول الفئات التي تحرص القرية على استقطابها، قال أنوهي:» نحن نهدف بالطبع لاستقطاب كل شرائح المجتمع، ولكن هذا العام زاد اهتمامنا بتلبية احتياجات كبار السن، وتسهيل حركتهم بالقرية وزدنا 200 مقعد إضافي، وسمحنا باستخدام المساحات الخضراء للاسترخاء والراحة، وفي كثير من الأحيان كنا نقوم بتوزيع بساط للجلوس على الحديقة مجاناً على العائلات التي ترغب في ذلك.
ومن الفئات الهامة أيضاً التي زاد اهتمامنا بها، فئة الأطفال ووجود مساحات مفتوحة للعب والحركة بحرية وأمان، حول مكان جلوس العائلة».