Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

تركيا والرهانات الصعبة

$
0
0
د. محمد السعيد إدريس

على الرغم من أن عملية «غصن الزيتون» التركية في سوريا التي بدأت يوم 20 من يناير/‏ كانون الثاني الفائت، توشك أن تكمل أسبوعها الثاني، إلا أنها لم تحقق الأهداف المرجوة منها على ما يبدو.
قد يتصور البعض أن الأهداف محصورة بين إخراج ما تسميهم أنقرة بـ «الإرهابيين الأكراد»، وتقصد «وحدات حماية الشعب» التابعة لحزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» السوري من مدينة «عفرين» وجوارها، أو قد تمتد إلى مدينة «منبج» حيث الوجود العسكري الأمريكي، وربما تصل إلى الحدود السورية مع العراق وبالتالي تفرض تركيا سيطرتها الكاملة على شمال سوريا، وهذا بدوره يطرح سؤالاً مهماً: هل تركيا تهدف فقط إلى الحيلولة دون تمكين أكراد سوريا من تأسيس فيدرالية كردية في منطقة غرب سوريا؟
السؤال مهم، لأن له علاقة برهانات القوى التي أعطت ضوءاً أخضر لهذه العملية التركية، وخاصة روسيا وإيران والنظام السوري، إضافة إلى فصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة التي تقاتل جنباً إلى جنب مع القوات التركية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية في عفرين وجوارها.
هذه الرهانات الحالية في شمال سوريا، تستهدف بالأساس النفوذ الأمريكي والقوى المحلية التي يرتكز عليها هذا النفوذ، أي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي و«قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب»، وأن تصعيد المجابهة بين تركيا والولايات المتحدة سيؤدي، عاجلاً أم آجلاً، إلى تعميق الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة، ومن ثم حلف شمال الأطلسي، وربما خروج تركيا من هذا الحلف، وبالتالي سقوط الجدار أو البوابة الشرقية لهذا الحلف مع روسيا، ومن ثم فرض السيطرة الكاملة لروسيا على البحر الأسود، وكسر الاحتكار الأمريكي للنفوذ في حوض البحر المتوسط، إلى جانب حرق ما تبقى من الأوراق الأمريكية في سوريا، أي الورقة الكردية.
إنهاء الورقة الكردية في سوريا، هو قوة مضافة لإيران أيضاً، لأن إيران تخشى، كما هي حال تركيا، من الخطر الكردي، وتصفية الحلم الكردي في سوريا سيؤثر سلبياً حتماً على طموحات أكراد إيران، لكن الأمر يمتد إلى طموح بدعم نفوذ الحليف السوري بسقوط الطموحات الكردية، لأن تصفية طموح الأكراد في تأسيس «فيدرالية كردية» في شمال سوريا لن يكون أمامهم من سبيل غير العودة إلى حضن الوطن السوري، ومن ثم إفشال مخطط إعادة تقسيم سوريا، والحفاظ على وحدة التراب الوطني السوري.
هذه الرهانات مبعثها قناعة مفادها، أن الدخول العسكري التركي الحالي إلى سوريا جاء كرد فعل لإعلان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في 14 يناير الجاري، عزمه تأسيس «قوة أمن حدودية» يجري تشكيلها من «قوات سوريا الديمقراطية» (الكردية) المعروفة باسم «قسد»، للانتشار على الحدود الشمالية والجنوبية وشرق نهر الفرات.
هذه الخطوة الأمريكية كان لها أكثر من دلالة، فهي تعني من ناحية أن واشنطن تسعى من خلال هذه القوات إلى ترسيم مناطق النفوذ التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية»، وعزلها عن باقي مناطق نفوذ النظام السوري التي تحظى بالدعم الروسي والإيراني، وتعني من ناحية ثانية العودة الأمريكية مجدداً لفرض واشنطن لاعباً أساسياً من خلال امتلاك مناطق نفوذ عسكري وسياسي على الأرض من خلال القواعد العسكرية الموجودة في هذه المنطقة، ومن خلال النفوذ السياسي الأمريكي على قوات سوريا الديمقراطية، وتعني من ناحية ثالثة أن الولايات المتحدة قررت عملياً حرمان إيران من تنفيذ مشروع الطريق البري الذي تعتزم إقامته ليربط الأراضي الإيرانية بشاطئ البحر المتوسط عبر الأراضي العراقية والسورية، فمنطقة النفوذ الكردية التي ستسيطر عليها هذه القوات تقطع التواصل الإيراني البري المأمول بين الأراضي العراقية والأراضي السورية، كما يعني من ناحية رابعة أن الولايات المتحدة قررت تنفيذ مشروع تقسيم سوريا، وفرض كيان انفصالي كردي في شمال سوريا.
روسيا تابعت هذه التطورات كما تابعتها إيران، لكن تركيا كان إدراكها مختلفاً، لأنها فهمت منذ اللحظة الأولى إنها المستهدفة.
لكن يبقى السؤال الأهم وهو: هل تركيا تهدف فقط إلى إحباط هذا المسعى الأمريكي؟ أم أنها تخطط لما هو أهم، أي فرض وجود عسكري في شمال سوريا يمتد إلى محافظتي حلب وإدلب بعد تحقيق تواصل بين المناطق المسيطر عليها من جانب المنظمات السورية الموالية، والعمل على توظيف هذا الوجود العسكري التركي كورقة تمهد لإحياء دعوة تركية تاريخية تطالب بضرورة إنهاء العمل باتفاقية لوزان التي سوف تنتهي عملياً عام 2022، نظراً لأن عمر هذه الاتفاقية مئة عام.
هل تخطط تركيا للعودة إلى ما قبل اتفاقية لوزان؟
السؤال مهم، لأن الشواهد تؤكد أن تركيا أعلنت منذ سنوات رفضها لهذه الاتفاقية، باعتبارها اتفاقية مجحفة، وتطالب على لسان منظمات سياسية ومراكز بحوث استراتيجية وعسكرية تركية بعودة كل الأراضي والمناطق التي اقتطعت من تركيا بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، وكما فرضتها بنود معاهدة لوزان.
الشواهد التي تؤكد جدية هذا الطموح كثيرة. فتركيا لم تعد تعتمد كما كان أيام دعوة «العثمانية الجديدة» على أنواع القوة الناعمة، بل هي تعتمد الآن على القوة الصلبة وتبني القواعد العسكرية من الخليج (قطر) إلى القرن الأفريقي في الصومال والسودان، إضافة إلى نفوذ متسع في القارة الأفريقية وآسيا الوسطى، لذلك فإن رهانات دعم التدخل التركي في سوريا ستبقى رهانات محفوفة بالمخاطر، ناهيك عن أنها رهانات صعبة في ظل الطموحات التركية المتصاعدة.

msiidries@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

Trending Articles