رواية حياة معلقة، الصادرة عن الدار الأهلية للطباعة والنشر في عمان، للكاتب الفلسطيني عاطف أبو سيف، تزاحم على القائمة الطويلة للبوكر العربية 2018، وتحكي عن المعاناة والأحلام المستحيلة في غزة، فهي حياة معلقة بين جنازتين، أو فسحة بين موتين، كما يقول الكاتب.
ترصد الرواية أحلام العودة بعد نكبة 1948، حيث كان الأمل يملأ كل اللذين هُجّروا بعودة قريبة، فلم يخطر ببالهم الغياب الطويل، ولم يحملوا من المتاع إلا قليلاً، غير أن سفن الحياة صارت بغير ما يشتهون، فطال الغياب، ولم يبق لديهم من زاد على الصبر إلا حلماً يداعبهم كل حين، هو حلم العودة، لكن الحلم نفسه استُنسخ في دواخلهم إلى أحلام أخرى، فصاروا يترقبون فتح المعابر، وفك الحصار عن غزة، وتحرير القابعين في السجون، والمصالحة، لم يعد الحلم واحداً، بل مجموعة تداهم تفكيرهم، ويصبح حلم العودة مجرد ظلال، هكذا هي حياة أهل غزة كما تصورها الرواية.. هذه هي قصصهم من الصباح إلى المساء، حيث البؤس وانتظار الجنازات.
تحكي الرواية عن نعيم، الذي مات برصاص الاحتلال «الإسرائيلي»، وكان نعيم صاحب المطبعة الوحيدة في المخيم، تلك المطبعة كانت تقوم بطباعة ملصقات الشهداء الفلسطينيين، لكن ابن نعيم يرفض فكرة أن يطبع ملصق خاص بوالده، حيث لا يجد معنى لذلك، فلا شيء هنا سوى الموت، والجميع هنا مشروع شهيد، لا بطل منفرداً على هذه الأرض.. البطولة جماعية.
ولكن موت نعيم على الرغم من ذلك، يتحول إلى حدث خاص، فحياة المخيم تتأثر بهذا الموت وتفاصيله، الحكومة تريد أن تحوّل البيت الذي بناه نعيم على التلة، إلى مسجد ومركز للشرطة، غير أن ذلك الأمر يدخل الجميع في نزاع كبير، فالتلة لها خصوصيتها عند سكان المخيم في قطاع غزة، ويتحول الأمر إلى صدام مع الشرطة.
جاءت الرواية حافلة بتقنيات سرد مدهشة، وامتلأت بالصور المشهدية الحية لتفاصيل واقع سكان المخيم، وآمالهم وطموحاتهم، وبؤسهم اليومي تحت وقع الرصاص، وجميع مناحي الحياة في غزة، وتقلّباتها السياسية والاجتماعية على نحو أكثر من عقدين، كما أن الرواية تعمل على نسج مفاهيم مختلفة للهوية والموت والبطولة.
وجدت الرواية جدلاً كبيراً وانقساماً بين القراء في المواقع القرائية المختلفة، فالكثير منهم أجمعوا على جودتها وقوة مضمونها، ووجدوا أن الكاتب نجح في تصوير حياة مخيمات اللجوء، والتعبير عما يجيش في النفوس هناك في سرد ممتع، غير أن بعضهم وجد أن الرواية تميل نحو تطويل وتكثيف المشاهد والحوارات بلا هدف، وتقول إحدى القارئات: «هي رواية دسمة تتناول بالشرح حياة عائلة فلسطينية تعيش في غزة، والكاتب لا يحكي عن البطولة والمقاومة والعمليات الفدائية والانتفاضة، لا يغازل مشاعرنا بعبارات تدمع لها العين، أو ينقطع معها نياط القلب كمداً، بل يمس مشاعرنا بحديث ناعم وقوي وعميق عن الحياة ذاتها، وطريقة سرده المتميزة».
وتقول أخرى: «ما أعجبني هو ابتعاد الشخصيات عن الصورة النمطية للإنسان الفلسطيني، أعجبني الخط الإنساني الذي يحكي عن الهم الذي يحمله أبطال الرواية، وطموحاتهم وأحلامهم الشخصية، التي لا علاقة لها بالهم الوطني الكبير.. هي مجرد أحلام عادية لبشر عاديين»، فيما تقول قارئة أخرى: «الرواية متميزة تطرح مشاعر أجيال ثلاثة، فتتناول أفكارهم وأحلامهم، دون ترتيب وبسلاسة شديدة، ليجد القارئ نفسه قد أنهى 406 صفحات بلا جهد، ويشعر أنه قد زار غزة وأصبح له فيها ذكريات».
غير أن بعض القراء يجدون أن الرواية حفلت بكثير من العيوب، مثل كثافة السرد التي تفقد التواصل العاطفي مع الأحداث، والاهتمام بالتفاصيل، مما يتسبب في تسرب الملل إلى القارئ.
الشارقة: علاء الدين محمود