بصورةٍ من الصور يحملنا ما يجري الآن في منطقة عفرين السورية التي تشهد اجتياحاً عسكرياً تركياً يستهدف بدرجة أساسية المقاتلين الكُرد، على تذكر كيف تعاملت القوى الدولية مع نتائج استفتاء كُرد العراق على الاستقلال، رغم الانطباع الذي ساد عشية إجراء هذا الاستفتاء بأن القادة الكُرد ما كانوا أقدموا على إجرائه لولا أنهم نالوا ضوءاً أخضر من جهات دولية نافذة، كالولايات المتحدة الأمريكية وربما دول غربية أخرى.
لكننا رأينا مرأى العين كيف تُرك الكُرد وحدهم يحصدون نتائج المغامرة التي أقدموا عليها دون حساب، وفي رهان على أقوال مرسلة ربما قيلت لبعض قادتهم في غرف مغلقة مثل أن الغرب ليس ضد إعلانهم الانفصال وأنه لن يقف ضد إرادتهم في تقرير ما يريدون، لكن عدم الوقوف ضد هذه الإرادة لا يعني أبداً تأييدها، رغم أن النتائج، في الحالين، واحدة.
يبدو أن قادة المقاتلين الكُرد في عفرين، تلقوا كأشقائهم في العراق، وعوداً بدعم أمريكي، وربما من دول غربية أخرى أيضاً، بأنهم لن يتركوا وحيدين في حال جوبهوا عسكرياً من قبل تركيا، الطرف المعني مباشرة بالموضوع في الحال السورية، بسبب حربها ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وثيق العلاقة بمسلحي سوريا الكُرد.
بُني هذا الاعتقاد على حقيقة أن قوات سوريا الديمقراطية، ذات القوام الكردي أساساً، هي من صنع وتسليح وتدريب واشنطن، وجرى استخدامها كقوة ميدانية ضاربة على الأرض في استعادة بعض أراضي سوريا في الشمال من هيمنة «داعش»، بما في ذلك عاصمة التنظيم، مدينة الرقة الاستراتيجية، لتصبح تحت سيطرتهم بدعم الولايات المتحدة التي أمَّنت لنفسها قاعدة عسكرية يقال إن بها نحو 2000 جندي أمريكي في منبج، ليس بعيداً عن عفرين، وسط تأكيد بأنهم جاؤوا بغية البقاء لأمد طويل.
لكن الأتراك اجتاحوا المدينة، وتوغلوا فيها وأوقعوا ضحايا، ونشرت صور وأشرطة لانتهاكات بشعة قام بها مقاتلون من المعارضة السورية الموالية لأنقرة ضد المقاتلين الكُرد، دون أن تحرك الولايات المتحدة جندياً واحداً أو آلية واحدة من آلياتها المحتشدة في القاعدة المجاورة، تاركة الكُرد، السوريين هذه المرة، بمفردهم في مواجهة العدوان التركي، هم الذين توهّم قادتهم أن واشنطن مدينة لهم بجميل كبير، ولن تتخلى عنهم، فلم يحصدوا سوى الكلام الذي لا يجدي شيئاً بوجه الطائرات والمدرعات والصواريخ التركية.
ليس بالوسع الجزم بما ستؤول إليه الأمور بعد عملية تركيا العسكرية في عفرين غير المعروف مداها بعد، لكن الثابت حتى اللحظة أن الكُرد في سوريا يدفعون، كما دفع من قبلهم كُرد العراق، ثمن تصديقهم لوعود أمريكية بدعم تطلعاتهم في قيام فيدرالية سورية تؤمن لهم قدراً واسعاً من حرية إدارة أمورهم بأنفسهم، وهي وعود طالما اختبروا عدم جديتها طوال تاريخ طويل.
madanbahrain@gmail.com