لقاح ينهي حصد «الجدري»أرواح البشر

يمتلئ تاريخ البشرية بالأمراض الفتاكة التي عكف العلماء والأطباء على فك شفرتها ومحاولة إيجاد حلول جذرية لها، وفي خضم تلك المعركة الشرسة التي تشتد بمرور الزمن، استطاع الإنسان للمرة الأولى هزيمة مرض «الجدري» المستعصي وإنهاء هيمنته التي حصدت ملايين الأرواح، ففي مثل هذه اليوم من عام 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً عن انتهاء مرض الجدري وزوال خطره.
تأتي الإصابة بالجدري نتيجة للعدوى بفيروس ينتقل من المصابين إلى الأصحاء. ويظهر طفح يشبه البثور على جلد المريض، ثم تتكون قشرة على البثور ما تلبث أن تسقط تاركة ندبة في مكانها. ولم يكن للجدري علاج، حيث كان يتسبب في موت 20% من ضحاياه، بينما يصاب الباقي بتشوهات مستديمة، ويصاب البعض بالعمى. جاء الانتصار الكبير للبشرية على هذا المرض نتيجة أبحاث العالم البريطاني إدوارد جينر التي اكتشف على أثرها أول لقاح للجدري علم 1796.
قام جينر بملاحظة ودراسة حالة المريضة ساره نيلمس التي كانت تعمل راعية للماشية، ولاحظ جينز أن نيلمس محصّنه ضدّ الجدري لأنها كانت قد أصيبت بحمى جدري البقر. فاستنتج جينر أن أخذ مواد من جلد المصابة وحقنها بشخص آخر لإصابته بنفس المرض سوف يولد مناعة مستقبلية ضد مرض الجدري وذلك لأن هذا المرض هو مشابه للجدري ولكنه أقل خطورة. بعد التوصل لتلك النتيجة، اتضح لجينز أن جدري البقر نوعان، أحدهما مشابه للجدري الذي يشبه الإنسان، وهو ما أصيبت به نيملس، وبعدها استخلص منها عينات من الجلد وطور لقاحه.
لم يكن أمام جينز سوى تجربة اللقاح على أحد البشر، وهو ما كان مجازفة كبيرة بحياته. استقر جينر على طفل سليم يدعى جيمس فيبس، وكان عمره حوالي 8 سنوات ليقوم بتلقيحه بمرض جدري البقر. ونجا الطفل من التلقيح التجريبي لفيروس الجدري ولكنه عانى من الحمى الخفيفة. وفي يوليو 1796 أخذ جينر عينة من قيح مرض الجدري المميت، وقام بتطعيم الطفل بها في ذراعه، وقام بالأمر مراراً وتكراراً منتظراً المعجزة لتحدث، وبالفعل نجا الطفل بعد أكثر من 20 محاولة دون أن يستسلم للمرض، وبعد وقت قليل اتضح أن طريقة جينر للتطعيم بجدري البقر آمنة ويمكنها انقاذ ملايين البشر المهددين بها. طوّر جينر اللقاح الأول مستند إلى هذه النتائج، وبعد جهد طويل قام بحملة تطعيم استمرت حتى بعد موته إلى أن تم الإعلان عن انتهاء المرض تماماً بعد نحو قرن على اكتشافه.