تعتبر رواية: يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش، للكاتب الروسي إلكسندر سولجينتسين، نافذة تطل منها على عالم معسكرات المعتقلين ومصير ملايين الروس تحت حكم ستالين، هذا العالم الغامض وما به من تفاصيل دقيقة للغاية، تدعو للدهشة والاستغراب.
قد قال عنه أحد النقاد في جريدة الصنداي تايمز: «إنه صرخة للتحرر الإنساني في العالم أجمع»، ونظراً لأهمية هذا الكتاب أمر خرتشوف بنشره، لما فيه من وصف رهيب للحياة في معسكرات المعتقلين في سيبيريا.
وكان سولجينتسين قد عاد إلى روسيا في منتصف عام 1994، بعد غياب عشرين عاماً قضاها في المنفي، وكان قد حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1970، بفضل كتابه: يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش، الذي تناول فيه ما يجري في سجون الاتحاد السوفييتي السابق، وتعتبر عودة هذا الكاتب إلى روسيا، بعد نفيه لمدة عشرين عاماً انتصاراً ساحقاً لأفكاره.
ولم يسلم من انتقاداته النظام الذي قام على أنقاض الاتحاد السوفييتي، حيث وصفه بأنه غير ديمقراطي، وأنه المسؤول الأول عن إفقار 70 مليوناً من مواطني روسيا الاتحادية، ووصف الحكومة الروسية بأنها غريبة عن الشعب، وأن سياسة بيع الأراضي لغير الفلاحين الروس هي بيع روسيا للنصابين، وطالب بالانسحاب الكامل من القوقاز وآسيا الوسطي.
يشرح سولجينتسين في كتاب: يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش، كيف يبدأ المعتقلون يومهم بسماع صوت الحارس: «قف كقطيع من الغنم، شكلوا خمسات»، وراح كل فريق يسير قدماً إلى الأمام حتى تمكن مراقبته من الأمام ومن الخلف، خمسة رؤوس، خمسة ظهور، وعشر أرجل، كان هناك مراقبون في كل مكان ومدافعهم مصوبة إلى الوجوه، وكان هناك حراس بكلابهم السلوقية، يبدأ المعتقلون في العمل الشاق، وكان تقرير الشغل أهم من الشغل نفسه، حتى يضمن الرجال طعامهم.
وهنا يعلق سولجينتسين، على عنصر الزمن في المعسكر قائلاً: «كيف يمضي الوقت سريعاً أثناء العمل، تمر الأيام في المعسكر وتنتهي قبل أن نلفظ كلمة واحدة، لكن السنين لا تمر أبداً وهي لا تتحرك ثانية واحدة، كان المعتقلون يخضعون لتفتيش دقيق وبطيء للغاية، لاسيما الطابور القادم من ورشة الإنشاءات الميكانيكية، لأن المعتقلين كانوا يقومون بذبح بعضهم البعض، وعندما تهب عاصفة ثلجية في تلك الأرجاء، لا يدعون أحداً يخرج إلى العمل، إذ كانوا يخشون خروج المعتقلين من المعسكر، فقد يضلون طريقهم وهم ذاهبون إلى قاعة الطعام، ولم يكن يهمهم أن يتجمد الأسير حتى الموت، فالمعتقلون يجلسون في الحبس ويوزّع الفحم في وقت متأخر، ولا يصل الدقيق إلى المعسكر، وطوال أيام هبوب العاصفة (ثلاثة أو أربعة أيام)، فإنها كلها تحتسب أيام عطلة، وعليهم أن يعوضوها بالعمل أيام الآحاد، ورغم هذا كله فإن المعتقلين كانوا يحبون العواصف الثلجية ويصلون من أجلها، هكذا كان عيش الرافضين للنظام السوفييتي في معتقلات سيبيريا.
ولد سولجينتسين، في مدينة روز توف بالاتحاد السوفييتي عام 1918، واهتم والده الذي كان يعمل بالتدريس بتعليمه، فألحقه بقسم الرياضيات في الجامعة، وفور تخرجه استدعي إلى الجيش، وفي منتصف عام 1945 تم اعتقاله بتهمة ازدرائه لسياسة ستالين، حيث ظل معتقلاً في معسكرات العمل مدة ثماني سنوات، وقد عرض في كتبه صوراً تفصيلية لألوان العذاب الذي كان يعيشه الرافضون للنظام الشيوعي، هذا العالم الغامض وما به من تفاصيل دقيقة تدعو للدهشة.
أطلق سراح سولجينتسين عند وفاة ستالين، لكنه ظل في المنفى لمدة ثلاث سنوات، مارس خلالها مهنة التدريس، وفي عام 1960 قدم روايته الشهيرة: يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش، التي كانت أحد أسباب حصوله على جائزة نوبل في الأدب عام 1970، وقد تم اعتقاله مرة أخرى عام 1974 حيث تم ترحيله إلى ألمانيا الغربية، وظل فيها حتى عام 1976 إلى أن استقر في الولايات المتحدة الأمريكية، لحين عودته إلى أرض الوطن في منتصف عام 1994.
القاهرة: «الخليج»