Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

فالك ريشتر يدين الحلم البرجوازي

$
0
0
القاهرة: «الخليج»

كان الشاعر والمسرحي الكبير «برتولت بريخت» يشكل مرحلة فنية مهمة واجهت بشجاعة وبتحليل علمي جدلي مرحلة تاريخية غيرت تاريخ العالم في النصف الأول من القرن العشرين، أسس فيها وأبدع ومارس وطور نظريته في «المسرح الملحمي» لآخر لحظة من عمره عام 1956.
قد استمر أثر نظريته وتأثيرها كمنهج لرؤية الواقع وعكسه في الفن على المسرح في العالم كله، وبقدر ما كان تيار «المسرح الملحمي» مسرح بريخت إنجازاً أصيلاً في إبداعه، وعظيماً في تجلياته وانتشاره وتسييده، فقد كان بشكل أو بآخر يشكل في تسيده عقبة ما بالنسبة لجيل المسرحيين الذي تلاه، والألمان بشكل خاص، الجيل الذي يطمح إلى تجاوزه وتوسيع مجاله لاستيعاب مرحلة تاريخية مختلفة بصراعاتها الاجتماعية والسياسية، فكان أن نشأ وازدهر وتبلور اتجاه المسرح التسجيلي على يد مجموعة من الكتاب، ذلك المسرح الذي يعتمد في تحليله على الوثائق الرسمية للمحاكمات ومحاضر الجلسات والأقوال والتصريحات التي تتعلق بموضوع العمل الفني المطروح، ذلك المسرح الذي كان يحلم به في آخر أيامه المخرج الكبير «إرفين بيسكاتور».
في ذلك الفضاء المتسع بين المسرح الملحمي والمسرح التسجيلي كتيارين أساسيين في المسرح السياسي الحديث، ظل المسرح يتعامل ويتفاعل ويقوم بدوره من بدايات القرن العشرين حتى مشارف نهايته، إلى أن كان الحدث التاريخي الكبير الذي فاجأ العالم، ألا وهو السقوط العظيم لمجموعة الدول الاشتراكية وتفكيك الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، ونشوء عالم أحادي القطب بقيادة وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، تحاول فيه تحقيق الحلم القديم وميلاد الإمبراطورية الأمريكية والسيطرة على العالم، بنزواتها التوسعية والاستعمارية.
في ظل هذا الوضع كيف يواجه المسرح السياسي ما يحدث؟ يتخذ هذا الكتاب من تأليف فالك ريشتر، وترجمة يسرى خميس، نموذجاً للإجابة عن السؤال، من خلال مسرحيتين قدمهما ريشتر هما «مدينة إلكترونية» و«حالة استثنائية»، إيماناً منه بأن المسرح بمثابة إمكانية لتعميق إدراك البشر بالواقع، وربما لتغييره، فهو يفتح مساحات جمالية جديدة، يمكن أن تصدم المشاهد أو تواجهه بأشياء غير مألوفة أو متوقعة، فليس هناك وصفة لما يجب عليه أن يفعله. إن شخصيات مسرحيات «فالك ريشتر»، لا تؤكد أن الأشياء غير قابلة للتغيير، لكنها تقول للمشاهدين إنهم هم أنفسهم يمكنهم تغييرها، وهنا تضاء مساحة عريضة للحلم.
يقول ريشتر: «إنني مقتنع أنه من خلال حركات الاعتراض يمكن أن تنشأ قوى مبدعة، كرد فعل للعلاقات غير العادلة كبديل لهذه الدوامة الحلزونية، التي يدور فيها الجميع: نظام عالمي غير عادل، فزع وإرهاب، نسف حقوق الفرد الأساسية كرد فعل على الإرهاب، زيادة التسلح والتسليح، إشعال الحروب، إرهاب أكثر، هذه الدوامة التي تديرها وتقودها الدول التي تسيطر على السوق».
ويقول عنه أحد النقاد: «إن فالك ريشتر يهاجم في مسرحياته بعنف الليبرالية الجديدة والعولمة، كذلك يعلن أنه ضد حرب العراق والهيمنة الأمريكية، ويحتقر قناة «CNN» والأفلام الأمريكيةk كما يحتقر المضاربات القذرة في بورصة زيوريخ السويسرية، ريشتر ناقد عنيف معاصر متنقل في أمكنة عدة، يكافح في الداخل ويفكر بشكل عالمي، وملتزم لأعلى درجات الالتزام، مناضل من أجل عالم أفضل».
اختار ريشتر «أسلوبنا في الحياة» عنواناً لخماسية مسرحية (مدينة إلكترونية - تحت الجليد - سبع ثوان - قتلى بشكل واضح - فندق فلسطين) والمسرحية الأولى «مدينة إلكترونية» يعرض فيها الكاتب أثر العولمة في أسلوب الحياة العصرية، في بدايات القرن الحادي والعشرين، وهي قصة خيالية عن عصر الميديا والاتصال الرقمي.
ويرى الناقد فريدمان كرويدر أن المسرحية تتطابق في رؤيتها مع نظرية عالم الاجتماع ريتشارد سينيت التي لخص فيها معنى مصطلح «المرونة»، بأنه عبارة عن بنية السلطة في النظام الاجتماعي المعاصر للرأسمالية المتأخرة، حيث تتحول المرونة إلى نمط للسلوك، والاستهلاك كهدف للحياة، مؤكداً أن عمليات بلا سيطرة تنتج نظاماً لا يمكن السيطرة عليه، إنه أسلوب جديد لفقدان الذاكرة وفقدان التاريخ.
تعرض مسرحية «حالة استثنائية» العلاقة المتوترة بين زوج وزوجة وابنهما المراهق، بعد أن تحقق الحلم في النهاية، وانتقلا للعيش في «كومباوند» محاط بسلك مكهرب وبكاميرات مراقبة وبحراس مسلحين، يبعدون عنهم تهديدات العالم الخارجي، ويرى الزوج تفسخ ذلك المجتمع غير الإنساني خلف انسجامه الظاهري والطبقي، ذلك المجتمع الافتراضي البعيد كل البعد عن الحياة وتنوعها، وتنعكس العلاقة المتوترة بين الزوجين على الصبي المراهق الذي يعيش في عزلة نفسية تامة عن والديه، المسرحية كشف صريح وإدانة للحلم البرجوازي، الذي من أجل تحقيقه تتسرب الحياة وتسقط، ويعيش المرء منعزلاً وحيداً وسط حياة افتراضية لا معنى لها، يعيش في جيتو، في سجن خارجي مسور، معزولاً عن الحياة، وفي سجن داخلي مرعب يفسد معنى الحياة كلية.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>