أوضح الكاتب عبدالغفار حسين في ندوة بعنوان «ملامح النقد الأدبي في الإمارات»، أن النقد لا يعني الهدم، وأن مهمة الناقد تصحيح الأخطاء وذكر محاسن العمل الأدبي، جاء ذلك في إطار الجلسة التي احتضنها مركز جمال بن حويرب للدراسات المتخصص في التراث والتاريخ واللغة العربية، في مقره الجديد في دبي مساء الأحد الماضي، وحضر الجلسة كل من: جمال بن حويرب المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، ورئيس المركز، وبلال البدور رئيس جمعية حماية اللغة العربية، والشاعر الدكتور شهاب غانم، والكاتب علي عبيد الهاملي رئيس مركز الأخبار في تلفزيون دبي.
افتتح ابن حويرب الجلسة مشيراً إلى أن موضوع النقد النقد الأدبي في الإمارات قد أحجم عنه كثير من الناس، وذلك حتى لا يُغضب من يتناول أعمالهم بالنقد، وأبرز أن معظم من يكتبون في هذا المجال يتعمدون تجنب الغوص فيه، وتحديد الجيد والضعيف من النصوص، ويكتفون بشرح القصائد أو النصوص الأدبية الأخرى، ولا يجاوزون ذلك نحو مضامين ومهمة النقد الحقيقية.
وأكد بن حويرب أن النقد ليس فيه أية إساءة لأحد، لأنه يرفع من مستوى الأعمال الأدبية ومن المقالات والكتابات المختلفة، وشدد على أنه إذا اختفى النقد في أي مكان، فإن الأدباء سيكتبون ما يشاؤون وسيتساوى ويختلط الجيد بالسيئ، وبالتالي لن يتعلم الصغير المبتدئ كي يستطيع أن يصل يوماً ما إلى مرتبة عليا.
وأضاف: إن ما نشاهده اليوم هو المديح المستمر والذي يجعل كل الناس تكتب، وكل الناس أعمالها جميلة، وأصبحت عبارات المجاملة هي السائدة، وبذلك انتفى أي معيار لتمييز مواطن الجودة ومكامن الضعف في النصوص، لأن النقد اختفى تحت شعارات المديح والمجاملة.
وفي استعراضه للموضوع طرح عبدالغفار حسين في البداية السؤال: هل يوجد نقد أدبي في الإمارات؟ أو هل يوجد عمل أدبي يحتاج إلى نقد؟
مشيراً إلى أن الإجابة عن ذلك السؤال متشعبة، وأنه يعتقد أن الماضي شهد انفتاحاً أكثر تجاه العمل الأدبي وتجاه نقده، أما اليوم فلا نجد دراسة نقدية تتعلق بعمل أدبي، اللهم إلا في أوساط أكاديمية نخبوية محدودة، أما في الساحة الإعلامية فلم يعد هناك نقد يذكر.
وأكد حسين أن معظم أعماله النقدية كانت على شكل قراءات في الكتب والتعليق عليها، وأنه أصدر كتاباً يحتوي على قراءات نقدية لعشرين كتاباً، ونفدت طبعاته، وأنه يعتزم إصدار طبعة ثانية يضيف إليها بعض تلك القراءات التي لم تنشر في الطبعة الأولى، وأضاف، أن معظم هذه القراءات كانت تنشر في حلقات رمضانية، كان يكتبها في جريدة الخليج، تحت عنوان «كشاكيل ملونة» منذ أزيد من 12 سنة.
واستعرض الصعوبات التي واجهته كناقد، حيث تعرض لبعض المضايقات وصلت حد العداوة من طرف من تناول أعمالهم بالنقد، لأنه لم يرد أن يمدح فقط بل أراد إبراز الجوانب الإيجابية والسلبية في العمل الأدبي.
وعن ملامح النقد في الإمارات، أشار إلى أن النقد في الإمارات بدأ بالسجالات الشعرية الفصيحة بين بعض المثقفين، واعتبر حسين أن الشاعر الراحل سالم بن علي العويس، كان من أوائل من كتب نقداً شعرياً عندما كسدت تجارة الغوص، وكتب أكثر من قصيدة يستعرض فيها ما كان يعانيه الغواصون آنذاك.
وقال حسين: «قرأت عدة سجالات أدبية بين أحمد بن علي العويس، وبين أديب عراقي في مجلة صوت البحرين التي كانت تصدر في الخمسينات من القرن الماضي، وكان السجال حول شعر أحمد شوقي، وكان أحمد العويس يكتب إذ ذاك باسم مستعار وكان يدافع عن أحمد شوقي، ثم جاءت الستينات، فقمت بالرد على مقالة لكاتب خليجي تحامل على دبي وانتقدها، ونشرت مقالتي في الجريدة الرسمية لدبي سنة 1963، ثم جاءت بعد ذلك مرحلة مجلة «أخبار دبي» والتي استمرت ست عشرة سنة، حتى سنة 1980، وقد كتب فيها كثير من المخضرمين كتابات أدبية وسياسية، وكنت أكتب فيها وأتناول بالنقد من حين لآخر بعض الكتابات الأدبية».
وواصل حسين تتبع مراحل النقد الأدبي في الإمارات قائلاً: «ثم جاءت مرحلة الشباب منذ عشرين سنة تقريباً، وكانت عندهم القدرة الفائقة على الكتابة والدراسات الأدبية، ومع ذلك مازلت إلى الآن أرى أن الساحة لم تتوسع بعد كما كانت عليه، فيما يتعلق بالنقد الأدبي، لذلك فإننا لا بد أن نعود إلى النقد بمعناه الذي لا يشبه الهدم، بل على العكس يشجع البناء، فمثلاً حين أكتب مقالاً يمكنني أن أقوم بعرضه على أحد الأصدقاء، فيبين لي مواضع الخطأ في رأيه، كذلك بإمكان الكتاب العرب الوافدين أن يتناولوا العمل الأدبي بالنقد، ولا بد من الانفتاح أكثر على ساحة النقد أكثر فأكثر، وتبيين مواضع الضعف في الأعمال التي تنشر اليوم على المجتمع، ونعتقد أن الناقد يصلح ولا يفسد».
وبعد العرض الذي قدمه عبدالغفار حسين عقب بن حويرب قائلاً: إن النقد هو الذي يميز ويفرق بين الجيد والأقل جودة أو السيئ، واستعرض مثالاً على ما يحدث الآن في شبكات التواصل الاجتماعي، حين تجد مقالاً من بين الأكثر قراءة رغم أنه ليس جيداً، بينما حين يكتب أحدهم مقالاً جيداً لا يحظى بنفس المستوى من القراءات على التويتر مثلاً، وأرجع ذلك إلى انتشار المجاملة وكثرة المتابعين بالنسبة للمقال الأول.
وذكر بلال البدور أن عبدالغفار حسين كان أول من تصدى للنقد في الإمارات، وكتب عن الكثيرين في مجلة «أخبار دبي»، وكذلك عقد موازنات بين الشعراء في الإمارات وفي سلطنة عمان، من خلال دراسة واقعية ونقدية، واعتبر البدور أن علة النقد في الإمارات تكمن في أن الناس لا تقبل النقد، ومعظم من تصدوا للكتابة النقدية طبعت كتاباتهم المجاملة، وأن هناك إبداعات جيدة أحجم أصحابها عن نشرها، لأنهم لا يجدون مساحة النشر المناسبة التي تليق بإبداعاتهم في ظل انتشار المجاملة.
الدكتور شهاب غانم ركز على ضرورة التفريق بين النقد الانطباعي والنقد الإبداعي والأكاديمي، وطالب بالنهوض بالإبداعي والأكاديمي، فيما ذكر علي عبيد الهاملي أن تاريخ النقد في الإمارات يحتاج إلى دراسة معمقة، وقال إن جزءاً هاماً من النقد ينبني على الصحافة الثقافية، وإن هناك إحجاماً من الكتاب عن التطرق لذلك، وإن ثمة تراجعاً للصحافة الثقافية في الفترة الأخيرة.
دبي: محمدو لحبيب