أحلام فرات قدوري لا تنتهي، بل تمتد لتعانق السماء، ليحلق بها مع موسيقاه راسماً لوحة بصرية سمعية عالمية تحتضنها أرض الإمارة الباسمة.
هو سليل عائلة فنية عريقة تميزت بدورها البارز في المجال الفني بالعراق والخليج، والده الفنان حسين قدوري الباحث والموسيقي وعميد معهد الدراسات الموسيقية والمتخصص في مجال لعب وأغاني الأطفال الشعبية.
قدوري، ينظم مركزه الموسيقي الدورة الخامسة من مهرجان الشارقة للموسيقى العالمية، الذي تقدمه هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق» بشراكة استراتيجية مع هيئة الإنماء التجاري والسياحي في الشارقة، ومسرح المجاز بمشاركة نخبة من الموسيقيين والفنانين والفرق الموسيقية العربية والأجنبية من 11 دولة، من بينها مصر، وسوريا، والعراق، وإسبانيا، والأرجنتين، والمجر، في 14 حفلاً.
تحدث قدوري لـ «الخليج» مع قرب انطلاق المهرجان بعد غد عن افتقاد بلداننا العربية إلى الثقافة الموسيقية، حالماً بإنشاء دار للأوبرا في الشارقة التي استحقت أن تكون عاصمة الثقافة الإسلامية والسياحة والصحافة العربية، ومؤخراً العاصمة العالمية للكتاب. وأشار قدوري إلى أنه وجد ضالته المنشودة على أرض الشارقة لتكون المنصة التي ينطلق من خلالها المهرجان.
* ما الذي يضيف المهرجان في رأيك إلى أجنحة الشارقة الحافلة بالفعاليات؟
- الشارقة منارة ثقافية تزين العالم العربي بثقافات متعددة، وتضم الكثير من المهرجانات في شتى المجالات الخاصة بالثقافة مثل المسرح والتراث والكتاب والفن التشكيلي، ومن هنا كان لابد من إدخال الموسيقى كعامل تكميلي لهذه الفعاليات، وما نقوم به ليس تقديم موسيقى استهلاكية تجارية، بل موسيقى أكاديمية نستطيع من خلالها التأسيس لجيل يعرف ويدرك مدى أهمية الموسيقى التي تعد غذاء للروح.
* ما أهم ملامح الدورة الخامسة للمهرجان ومدى اختلافها عن مثيلاتها في الأعوام الماضية؟
- تحمل الجديد والمختلف والمميز أيضاً، واعتدنا كل عام أن نضع لمسات موسيقية جديدة خاصة بنا، وأهمها على الإطلاق «شرقيات» وهي ليلة الأوركسترا التي طالما حلمت بها، والحقيقة أن حلمي مازال يحلق بتأسيس أوركسترا للشارقة، ولأنه ليس بالأمر اليسير، فكانت تلك الليلة التي نجحت من خلالها في استقطاب كوكبة من خيرة العازفين من مختلف أنحاء العالم. اختياري تلك الدورة على المايسترو العبقري محمد عثمان صديق، وهو أحد أهم الأصوات الموسيقية التي أسهمت في الارتقاء بالموسيقى العربية ووضعتها في مصاف العالمية من خلال سبعة مؤلفات أطلق عليها اسم «شرقيات» جمعت بين الآلات الموسيقية العربية الشرقية مع الفرق الأوركسترالية «السمفونية» في إطار واحد. أيضاً عندما أتكلم عن المميز في الدورة الخامسة أفخر بتلك الأمسية الموسيقية التي تجمع بين الكلاسيكية والجاز، ونستضيف من خلالها الفنانة المجرية كاتيتسا إيليني، التي حصدت العديد من الجوائز العالمية، ويقدم المايسترو صديق أيضاً أمسية مميزة.
* إذا كانت الدورة السابقة من المهرجان قدمت ليلة أم كلثوم فماذا عن ليلة «العندليب»؟
- نحن في أجواء الذكرى الأربعين لرحيل الفنان المصري الكبير عبد الحليم حافظ، وأعترف بأنني أول المنتظرين لتلك الليلة المميزة التي ننظمها مع دار الأوبرا المصرية. د. إيناس عبد الدايم، رئيس الدار، لم تبخل علينا بكل التسهيلات، وستكون من أول الحاضرين لليالي المهرجان جميعها. هذه ليلة مصرية تعزز جسور المحبة وتقوي أواصر العلاقات بين مصر والشارقة التي دائماً ما تحرص على إحياء ذكرى الفنانين الكبار من خلال تخصيص أمسيات تقدّم للجمهور التوّاق للفن الأصيل لوحات فنية تسعدهم وتستعيد معهم رونق ومجد الزمن الجميل. لذا قررنا أن يحتفي المهرجان في عامه الخامس بفنان من القامات الغنائية الكبيرة التي تركت لنا إرثاً فنياً عظيماً من أغانٍ وألحان تخلّدت في الزمن وحفرت في وجدان الشعب العربي بأسره الكثير من الملامح والصور، عبد الحليم الذي ما زال صوته حياً بيننا رغم مرور أربعين عاماً على رحيله. ووقع اختيارنا على الفنانين المصريين أحمد عفت، ومي حسن، ومحمد متولي، الذين تتلمذوا في أعرق مسارح العاصمة المصرية القاهرة، ليقدموا في ليلة «العندليب» باقة من أجمل أغنياته بمصاحبة أوركسترا دار الأوبرا المصرية، التي يقودها المايسترو محمد إسماعيل الموجي الذي ينتمي إلى عائلة الموجي الموسيقية المعروفة، التي لها أثر كبير في بناء الحركة الموسيقية العربية.
* وسط كل هذا التنوع الموسيقي العالمي هل للشام نصيب من المهرجان؟
- بالطبع، «سحرهنّ في طربهنّ» عنوان الأمسية التي تقدمها الفنانة اللبنانية غادة شبير وترافقها أوركسترا مهرجان الشارقة للموسيقى العالمية بقيادة محمد صديق، وأيضاً السورية رشا رزق تقدم في تلك الليلة أجمل الأغنيات.
والحقيقة أنني فخور بكل ليالي المهرجان لهذا العام، ولكنني أعتبر استضافة أسطورة «الفلامنجو» العالمية عازف الجيتار الإسباني فيسيتي أميجو الذي يقدم الليلة الأندلسية إنجازنا الحقيقي في تلك النسخة من المهرجان، خاصة أنه أحيا حفلات في العديد من الدول، ويقدم نوعاً مميزاً ومتجدداً من «الفلامنجو»، وأتوقع أن تشهد تلك الليلة إقبالاً جماهيرياً غير مسبوق.
* وأين الموسيقى الخليجية؟
- حاضرة في ليلة الفنانين عبد الله الرويشد وبلقيس، وأتوقع أن تشهد إقبالاً كثيفاً.
* دائماً ما يقدم المهرجان حفلات في الهواء الطلق فهل يمكن أن نتعرف إلى أهم ملامحها في تلك الدورة؟
- أتمنى أن تكون حفلات المهرجان جميعها بالمجان، ولكني خفضت أسعار التذاكر عنها في العام الماضي من 150 إلى 60 درهماً هذا العام، والحفلات المجانية تقام في واجهة المجاز والقصباء، وحرصنا على أن تتنوع وتتميز والجمهور على موعد مع الفنان العراقي سيف شاهين، الذي يتميز باستخدام الإيقاعات الشرقية في عزفه على الجيتار وتحويلها إلى أغانٍ تحاكي الوطن والغربة، وأيضاً «فرقة ألوان» بقيادة عازف القانون بسام عبد الستار، الذي يقدم الموسيقى العالمية بمختلف الأنماط العربية والخليجية والمصرية والتركية، والمقطوعات الغربية مثل الموسيقى الكلاسيكية والجاز والبلوز، بالإضافة إلى فرقة «أرابيسك الكلاسيكية» بقيادة سامر أبو رسلان «وفرقة «طربيات» التخت الشرقي المؤلفة من 6 عازفين يقدمون مجموعة ألحان متنوعة من التراثين الشرقي والغربي والسماعيات وموشحات وقدود وأغاني أم كلثوم وعبد الحليم، بالإضافة إلى مجموعة من الأطفال خريجي معهدنا في الشارقة الذين سيفاجئون الجمهور بعزف أسطوري على العود.
* هل نجحت في أن تصل بالمهرجان إلى العالمية؟
وصلنا إلى العالمية بالفعل، والدليل أن اسم المهرجان أصبح جاذباً للنخب الموسيقية العالمية التي تحرص على المشاركة وتلبية الدعوة، ولولا الدعم الذي تقدمه هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق» لما حققنا النجاح غير المسبوق الذي وصل إليه المهرجان الذي أحرص على تطويره وتقديم كل ما هو جديد ومتفرد وعالمي في عالم الموسيقى.