هل تبخّرت كلمة منطق؟ ظاهر الأمر أنها نامت في القاموس التراثيّ، أيّام كان للحضارة العربية الإسلاميّة فلاسفة ومناطقة. كانت هي القاعدة التي تقوم عليها الفلسفة. مع ذلك ردّد القلم كثيراً، في ما مضى من عمر هذا العمود، عبارة «إن المنطق سيقتل العرب». مشكلاتنا، خلافاتنا، معاركنا، حروبنا، تسيير «المجتمع الدوليّ» لنا بالريموت نحو خراب أوطاننا، السطو المسلح على مقدّراتنا ومقدّساتنا، كل ذلك يلوح منطقيّاً بالاستدلال والبرهان والأسانيد. الثغرة الوحيدة التي لا تُسدّ، كانت ولا تزال أننا لم نكن ولسنا أصحاب ذلك المنطق. كان دائماً إيحاء أو إملاء من الخارج. هنا أيضاً المسألة منطقيّة، لأن العالم العربيّ ليس هو الذي يقرّر مصيره.
ليس منطقيّاً أن تسأل: هل يُعقل أن تكون أوضاع العرب في هذا الدرك من الاهتراء، وهم لديهم الكعكة التي تطمع قوى الدنيا في الظفر بلُقيْمة منها؟ السؤال حماقة، لأن المنطق يقضي بأن سجلّ الوقائع والأفعال العربية طوال التاريخ الحديث، لا يمكن أن يؤدّي إلى نتائج إيجابيّة. أنت تُراكم الخردة، وتريد أن تراها بعد قرون منجم ذهب؟ أين المنطق؟ أنت تهدم جهاز المناعة العامّ في كل الجسم ووظائف الدماغ على مدى مئة عام، وترجو رؤية كائن حيّ مفعم بالحيويّة والعنفوان في نهاية المطاف؟ أين المنطق؟
بأي منطق انقلبنا على المنطق، أو كيف قبلنا أن ينقلب علينا؟ بعبارة أقسى، كيف كان منطقنا حين جعلنا اللاّمنطق واللاّمعقول منطقنا؟ من المحال تصوّر أن يكون هذا خيار عقل عامّ سليم المدارك، لكنه الواقع بالحجّة والبيّنة، لا بالمدّعى والتجنّي. على أيّ منطق إذاً قامت الدول ومؤسساتها بطولها وعرضها؟ كيف استوى تشريع الدساتير وسنّ القوانين، واستقام فرض عدم العمل بها لتظل حبراً على ورق؟ كيف أهملت التنمية الشاملة، وأصبحت الشؤون السياديّة ملكاً مشاعاً لكلّ من هبّ ودبّ من أصقاع الأرض؟ أين المنطق؟ بأيّ منطق صار اللامعقول ظاهرة التفكير العامّ؟ طوال التاريخ المعاصر لم تنجح أيّ تجربة جادّة في تغيير الواقع المقلوب، ما يدلّ على أن الصواب هو الخطأ، وأن التقدّم هو التراجع. للقضيّة أبعاد أخلاقيّة أيضاً وانعكاسات على الإدارة العامّة وجميع المجالات. الطريف المؤسف هو أن تبحث عن الزاوية الغرائبيّة التي ينظر منها المثقفون والإعلاميون إلى هذه الظاهرة العامّة، وهم لا يتساءلون عن المنطق الذي يجرفهم إلى هذه التراجيكوميديا التاريخيّة.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: الجواب عند «لسان العرب»، فهو يشرح لنا أن «المنطق هو الكلام». لسانيّاً المنطق مخارج أصوات.
abuzzabaed@gmail.com
عبد اللطيف الزبيدي