ابن الديرة
ضمن جهودها الرقابية على الأسواق، وحماية للمستهلك غير الواعي الذي يستهويه السعر المنخفض قليلاً عن المتعارف عليه، صادرت دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي، بالتعاون مع بلدية العين، أكثر من عشرة آلاف قطعة غيار سيارات مقلدة ومغشوشة لماركات وعلامات تجارية معروفة، خلال دهم أحد المساكن الشعبية، وتمت مخالفة المجرمين حائزي هذه البضائع، وانتهى الأمر!
الجهود المبذولة لضبط الأسواق وحركة التداول فيها، مشكورة ولولاها لما كان حالنا على ما نحن عليه اليوم من عز ومجد وتطور وإنجازات بعضها ينافس عالمياً، والآخر يسابق زمنه ويحاول أن يعيش المستقبل حتى قبل قدومه، لكن وفي الوقت نفسه، فإن غياب عامل الردع يعيدنا إلى نقطة الصفر. كيف؟
التاجر أو البائع الذي يلجأ لبيع بضاعة مغشوشة، بمعنى أن مواصفاتها دون مستوى نظيرتها الأصلية، هو في الأصل فاقد للوطنية والأخلاق الدينية والإنسانية، وعندما يمارس عمله الإجرامي، ولا تكون العقوبة رادعة عند اكتشافه، فإنه سيعاود عمله من جديد وبحرص أكبر، مستفيداً من أخطائه السابقة، ليستمر في جني الأرباح.
ليس مهماً عنده حجم الضرر الذي سينجم عن استخدام قطع مغشوشة وغير أصلية في السيارة، ولا يأبه بالحوادث المرورية التي ستنجم عنها وخسائرها البشرية والمالية، ولا يعنيه استنزاف الاقتصاد الوطني من استهلاك متكرر لقطع غير صالحة، ولا حجم خسائر الأسرة التي تحاول التوفير لتلبية متطلبات معيشية أساسية، لتفاجأ أن السيارة باتت تستنزف ميزانيتها المتواضعة.
المخالفة هنا ليست عقوبة بالمطلق، وتكاد تكون غير ذلك لولا ثقتنا في أن التشريع كان يستهدف من العقوبة أن تحقق الردع المطلوب، ولكن عندما نرى من خلال تكرر اكتشاف عمليات غش وتقليد، حينها لا بد من القول إن المخالفة ليست عقوبة لأنها لم تردع المجرم، مهما كان المبلغ كبيراً، فسيعوضه في عمليات غش تالية.
وعندما يتعلق التقليد والغش بمنتجات لها علاقة مباشرة بصحة الإنسان وحياته، فيجب أن يجتهد المجتمع لحماية نفسه، بالتوعية تارة من الجهات المعنية، أنه ليس كل ما يلمع ذهباً، وليست كل الأسعار المنخفضة قليلاً عن الأصلية تخفيضات موسمية، ولكنها تجارة يمارسها مجرمون فقدوا الإحساس الآدمي، والتأكد من أن السلعة المراد شراؤها أصلية، هي خطوة أولى واجبة قبل أن يتم الشراء في كل الأحوال.
نأمل ألا يكون القانون رحيماً بمن يستسهل الحصول على الأرباح والمكاسب، وبمن يعرض صحة وحياة الناس للخطر، ويساهم في زيادة الحوادث المرورية، وخسائر شركات التأمين، وكلها عمليات سلبية تستنزف الاقتصاد ولا تنفعه.
وجمهور المستهلكين مطالب بالارتقاء قليلاً لمستوى أن يتمكن من التمييز الجيد بين الصالح والطالح، ويتعاون إلى أقصى حد ممكن مع الجهات الرقابية، بالإبلاغ عن الغشاشين الذين يدسون السم في العسل.
ebnaldeera@gmail.com