رغم قرار الدولة بتخصيص يوم سنوي للاحتفاء بالشهيد، إلا أن شعب الإمارات وحكومته وقيادته الحكيمة لا يتركون فرصة أو مناسبة ليعبروا عن صادق مشاعرهم الجياشة، تجاه نفر عزيز عليهم، ضحى بحياته وهي أغلى ما يملك ليؤدي واجبه في الدفاع عن وطنه ومصالحه، ويدعم الحق ويواجه الباطل بكل قوة وصلابة وشجاعة يفتقر إليها الكثيرون، فأصبح مثالاً حياً للتضحية والفداء، وقدوة، ومدرسة تتعلم منها الأجيال معاني البطولة ومساعدة الضعيف ونصرة المظلوم ودحر الظالم، وهو نوع من الوفاء الواجب والمستحب، وتقدير يستحقه من يضحي بحياته من أجل الآخرين.
وشهداء الإمارات ليسوا ككل الشهداء مكانة واعتزازاً وفخراً، لأنهم تركوا حياتهم الثرية، المريحة، التي يتمتعون فيها بكل المزايا، مسكناً ووظيفة وراتباً ومصلحة تجارية استثمارية وأسرة كبيرة وأخرى صغيرة، ودولة من أجمل الدول ومن أكثرها احتراماً وتقديراً بين جاراتها ومحيطها ودول العالم قاطبة، ولكنهم عندما نادى المنادي لبوا النداء طوعاً والتزاماً فتصدوا ببراعة وبسالة لما كلفوا به من مهام، وكانت الشهادة في سبيل الله نصيبهم، واستحقوا بذلك المكانة الرفيعة للشهداء الحقيقيين عند المولى عز وجل، مع الأنبياء والصديقين والصالحين.
المواقف البطولية للشهداء لهم الحق أن يرويها بموضوعية من عايشوها في جبهات القتال، ليعطوا هؤلاء الأبطال حقهم في أن يعرف الناس حجم تضحياتهم، ويتعلموا منها أن المصالح الخاصة لا تساوي شيئاً مقارنة بالمصالح العامة، وأن الوطن عزيز وغال ويستحق الفداء والتضحية بأغلى ما يملك أبناؤه لأنهم يعيشون على أرضه ويستظلون بسمائه ويأكلون من خيراته.
وحقهم علينا أن نعلم أبناءنا سيرهم البطولية بكل الحب والفخر والاعتزاز، عبر مجالسنا المجتمعية، ومناهجنا الدراسية، فلقد قرأنا في كتب الصغار عن مآثر وبطولات الشهيد مصطفى حافظ «مصري» والشهيد جول جمال «سوري» في الخمسينات من القرن الماضي، الأول حارب مع الفدائيين الفلسطينيين، والثاني تصدى لبارجة فرنسية إبان العدوان الثلاثي على مصر وأغرقها، وشهداء الإمارات سطروا مواقف بطولية عظيمة وهم يحاربون قوى الشر والظلام خارج حدود الوطن، وحقهم علينا أن نبحث عنها ونوثقها ونسجلها في كتب التاريخ، تماماً كما سجلنا اسم الشهيد سالم سهيل خميس بن زعيل الدهماني، أحد منتسبي شرطة رأس الخيمة المكلف بحراسة جزيرة أبوموسى، كأول شهيد في تاريخ الإمارات والذي ارتقى للقاء ربه في الثلاثين من نوفمبر عام 1971، قبل إعلان دولة الاتحاد بيومين.
الشهداء لهم مكانة خاصة، مقدسة، تتناسب وحجم الأعمال البطولية التي استشهدوا وهم يقومون بها في سبيل الله والحق ورد الظلم والعدوان، ودعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لتسليط الضوء على شجاعة وبسالة شهداء الإمارات هي أمر تكليف لكل قادر، يؤدي واجباً بسيطاً جداً تجاه أغلى الناس، وأعزهم على القلوب.
ebnaldeera@gmail.com