د. حسن مدن
ليس بوسع المراقب المنصف أن ينكر الصعوبات الاقتصادية الجدية التي تمر بها العديد من البلدان العربية، تحت تأثير عوامل عدة، بينها الأزمة الاقتصادية العالمية وارتداداتها المختلفة على الدول النامية، وانهيار أسعار النفط عالمياً، بالقياس بما كانت قد بلغته من ارتفاع في فترات سابقة، ما يجعل من المتعذر استمرار نمط المعيشة الذي ساد في البلدان المصدرة له، بالوتيرة التي كان عليها، فضلاً عن أحوال الاضطراب السياسي - الاجتماعي السائدة في عالمنا العربي، بعد التغيرات التي شهدناها مطالع هذا العقد، والتي تفصح عن نفسها في العديد من الحالات بصورة دموية، واقتتال داخلي.
ويمكن أن نضيف إلى هذا كله أن ما تمر به دول عربية عدة من صعوبات اقتصادية، تنعكس آثارها السلبية على الحياة المعيشية لشعوبها، هو، إلى حد ليس بقليل، نتاج سياسات وأساليب إدارة سُلكت على مدار عقود، دون التبصر في عواقبها اللاحقة، التي حتى وإن تأخرت، فهي آتية لا ريب فيها، بعد أن تعيينا الحيل في تأخيرها أكثر، وهذا ما نحن شهود عليه اليوم.
لكن الإحاطة بكل هذا، ووضعه في إطار ما يستحقه من حساب، يجب ألا يسقط من الحساب أن معالجة كل هذا تتطلب رؤى شاملة، لا تعتمد التدابير الاقتصادية الصارمة وحدها، أخذاً بتوجيهات ونصائح المنظمات المالية الدولية المانحة للقروض، التي تشترط لمنحها التدخل في وضع السياسات الاقتصادية للبلدان المعنية لضمان قدرتها على تسديد هذه القروض وفوائدها المرتفعة، وإنما تتطلب الالتفات إلى البعد الاجتماعي لهذه السياسات، أي آثارها في معيشة شعوب هذه البلدان، خاصة في الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل، وكذلك في الفئات الوسطى، التي تجد نفسها ضحية تآكل مدخراتها نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار وما إلى ذلك.
ما شهدته مؤخراً عدد من الدول العربية ، وهو أمر مرشح للتكرر في بلدان أخرى في ظل السياسات المتبعة، يدل على أن تجاهل البعد الاجتماعي للإجراءات الاقتصادية سيخلق حالاً من الاضطراب وعدم الاستقرار، لأن الناس، حين تضيق بهم الأحوال، لن يجدوا غير الخروج إلى الشوارع محتجين، ومطالبين بحماية أوضاعهم من الخراب، حتى دون أن يدعوهم أحد إلى هذا الخروج، أكانت قوى سياسية معارضة، أو دول خارجية يطيب لها ألا تستقر الأحوال في هذه البلدان، وبالتالي فإن في إلقاء اللوم على هؤلاء، أكانوا في الداخل أو الخارج، هروباً من المسؤولية وتجاهلاً للأسباب الحقيقية وراء ذلك.
لا يمكن أن نستهجن أو ندين ردود فعل بسطاء الناس عندما تمس لقمة عيشهم، بتحميلهم أعباء التقشف والضرائب، في حين لا تمس أموال وأملاك النخبة السياسية والمالية المسيطرة بأي إجراء، وتحصينها من أي تدبير يمسها، أو أن تتخذ التدابير التقشفية بشكل فوقي، وبصورة مباغتة، دون إشراك المؤسسات التشريعية وقوى المجتمع المدني في وضع تلك السياسات.
madanbahrain@gmail.com