ما بال بعض المسؤولين لم نعد نقرأ لهم تصريحات وردوداً على شكاوى وملاحظات تسجل في دوائرهم أو عليها، كما كنا في السابق؟ لماذا لم يعودوا يتفاعلون مع الصحفيين ويردون على هواتفهم أو تساؤلاتهم؟ لماذا أصبحت أغلبية أجوبتهم نمطية، وكأنها قوالب معلبة تصلح للرد على أي شكوى وعلى أي ملاحظة، وفي أي وقت، وأصبحت تمر في قنوات عديدة وتغلف بالعموميات، والإشادات، حتى تخرج للعلن؟
بعض المسؤولين (وهنا أقول البعض) أصبحت أجوبتهم مرصوصة في قوالب جاهزة، وهي ذاتها بالكلمة والحرف تنشر في جميع الصحف والإذاعات والتلفزيونات والمواقع التي تخص دوائرهم، ومواقع التواصل أيضاً، فلم نعد نسمع أولئك المسؤولين الذين يتكلمون بشكل مباشر للصحافة أو عبر القنوات الإعلامية من صحافة وتلفزيون، إلا إذا طلب منه الحديث عن إنجازاته ومبتكراته وليس الرد على شكاوى القراء والمستمعين والمراجعين.
حتى الحوارات الصحفية أصبحت معلبة، وبلا روح، فلم نعد نلمس في الحوار مع الوزير أو رئيس ومدير الدائرة، أن هناك مواجهة قد حدثت بالفعل بين الجانبين، وإذا حدثت فعلاً فهي لأجل التقاط الصورة فقط!
الكل هنا - وللأسف - استكان إلى راحة البال، فلا الصحفي كبّد نفسه عناء المواجهة، ولا المسؤول أرهق نفسه في جمع المعلومات من موظفي دائرته للإجابة عن التساؤلات الموجهة إليه، وكل ما حدث، الأسئلة من الصحيفة، والأجوبة من شركة العلاقات العامة!
بعض المسؤولين، يعتقدون أن استمرارهم في مواقعهم مرهون بالعمل بهذه الطريقة النمطية أو المواراة عن الصحافة والإعلام، والعمل في الظل حتى لا يواجه أحداً، ونعي هنا معنى مقولة إنه يعمل بصمت، ونعرف أن هذه الطريقة من أنجح وسائل العمل، لكن هذا الأمر لا ينطبق أبداً على مسؤولي الدوائر الخدمية التي لها تماس وتواصل مباشر مع الناس.
الكثير من الأجوبة عن هذه التساؤلات معروفة لدى الكثيرين منا، لكنها تبقى مطروحة وأهمها أن أغلبية الدوائر أصبحت لها مواقع على «السوشيال ميديا» تنشر كل أخبارها هناك، وهي -أي هذه الدوائر- وظفت هذه المواقع لنشر أنشطتها وإنجازاتها، واعتقدت أنها أصبحت تكفيها عن باقي وسائل الإعلام، ولكن ما دام أنها اتبعت هذه الطريقة، فلماذا لا تتجرأ وتفتح باباً للرد على الشكاوى والملاحظات، على أن يكون مفتوحاً أمام الجميع وبشفافية؟
لماذا بعض المسؤولين - ونقول البعض- هنا، لم يعودوا يلمون بما يجري في دوائرهم من أحداث وقضايا، واختزلوا أنفسهم في أنماط معينة من العمل وكأنهم واجهة رمزية للدائرة، ولا يهتمون بالتفاصيل، وتركوا هذا العمل لمساعديهم، لكنهم لا يسمحون لهم بالتواصل مع الإعلام، فهي واجهته «النمطية» وحسب؟ ولماذا يغيب عن ذهن البعض العرف الشائع «إن من يعمل يخطئ»، وإن من لا يخطئ فهو الشخص الذي لا يعمل؟
هنا نحتاج فعلاً لنذكر هؤلاء المسؤولين بمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «الكلمة شرف ومسؤولية..والإعلام هو عين المجتمع التي يرصد بها الواقع من حوله.. ويتوجب على الإعلام أن يكون أميناً في نقل هذا الواقع بصورة مجردة».
jamal@daralkhaleej.ae