هل تعرف ما هو أكبر وهم جيوسياسيّ في التاريخ؟ إنه أن تتسيّد «إسرائيل» العالم العربيّ. كل من يخامره هذا الهذيان، عليه أن يشك في سلامة مداركه، فإن لم يشك فلا عقل له.
القضية أبعد من «ما بُني على باطل فهو باطل» أو باطل الأباطيل. المشكلة هي أن الغاصبة لا تستطيع أن تكون سلميّة أو أهلاً لتحقيق السلام، لأنها عاجزة عن أن تحيا بغير تدمير غيرها، والدمار لا يدوم ولا ينبغي أن يُكتب له الدوام. الذين صدقوا أنفسهم من مؤرخيهم (شلومو صاند وإيلان بابي نموذجاً)، أدركوا الهاوية التاريخية التي انحدر إليها الكيان الصهيونيّ. الزاوية الحادّة نهايتها معروفة، عندما تسير فيها من الطرف المفتوح إلى المغلق.
ما لا يدركه المستهينون بفلسفة التاريخ، هو أن ما يحدث في الدماغ للأفكار والمشاعر، مماثل لما يجري على العضلات في الأجسام: «ما لا يقتلني يقوّيني». التمارين والصدمات لها مفعول تأهيليّ، فهي موضوع «التحدي والاستجابة». الحماقة الكبرى هي أن «إسرائيل» قضت قرناً في المؤامرات والممارسات الإجراميّة، التي أيقظت العرب النائمين لأسباب تخلفيّة شتى، على حقيقة أن الخليّة المزروعة لا علاقة لزرعها بالسلام أو بالرغبة في إيجاد وضع عادل يقول العربيّ بعده: «ونسيت حقدي كله في ساعة.. من قال إني قد حقدت عليه؟».
عجيب أن يتخيل عاقل أن الشعوب العربية ستتغنى يوماً بالشعر الإنسانيّ في «إسرائيل»، يقول أهل الموصل «ما يلوقلو»، أو السوريون: «ما بيلبقلو»، أو المصريون: «إزّاي تيجي دي»؟ من يريد التطبيع اليوم، لا يظل يطعنه سبعين سنة. لقد عاملوا القضية الفلسطينية كما لو كانت فلسطين التاريخيّة «سيخ شاورما»، يتناقص بالسكين، والآن يحلمون بأن يغسلوا السيخ بعد نفاد الكمية، ويستلقوا هانئين بين النيل والفرات. القضية أكبر من المنظمات والأنظمة، فلا تحلّ بالاتفاقيات الظالمة والمعاهدات الجائرة تحت الطاولات وفي الكواليس. كل ذلك إضاعة وقت، إذا كانت الشعوب ترفضه وتدحضه. كل ذلك عبث في عبث. القياس على التجارب السابقة وأحابيلها وأضاليلها، حتى لو جاءت بجحافلها وأساطيلها، ما هو إلاّ هلوسات لعبت برؤوس مساطيلها. ستبقى الخدعة الكبرى تضييع فرص التنمية الشاملة على البلدان، وإغراقها في الفتن، وتبديد طاقاتها لكيلا تعكف على شؤونها السياديّة والتنمويّة. ما لا يدركه النظام العربيّ هو الفرية الخبيثة التي وراء إشعال صراعات داخلية في البلدان لكيلا تقوم لها قائمة فتطوي صفحة المأساة التاريخية باستعادة حقوقها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الكاريكاتورية: أبكل هذه الحروب والدمار يحبّبون العرب في السلام؟ يا سلام!
abuzzabaed@gmail.com