هل ستقتل العلومُ والتقانة اللغة العربية؟ لهذا السؤال وجهان. أحدهما سياسيّ تنمويّ، فكأنك تسأل: هل سيقضي التخلف العلميّ، الذي لم يعالجه النظام العربيّ، على لغتنا؟ الآخر مناهجيّ مجمعيّ ثقافيّ إعلاميّ، يسميه القلم «بين الشعوبيّ»، تقع مسؤوليته على الشعوب، نخبها القادرة على الفعل ولا تفعل شيئاً، بخاصّة.
قتل اللغة لا مبالغة فيه، ويعني القضاء على الهويّة. هل لعاقل أن يرى أن الهوية العربية لا تحدق بها الأخطار؟ دعنا نكن أقل تشاؤماً حالمين بقبس في آخر النفق. الحياة العامة اليوم، وغداً ستكون مضاعفة أضعافاً، نسيجها وسُداها العلوم والتقانة. أنت حسن النية والظن، إذا تصورت ملتقى للمهندسين العرب، أو منتدى للأطباء، أو مؤتمراً لخبراء المعلوماتية، يستطيع المشاركون فيه التعبير عن آرائهم والتفاهم السلس بلغة عربية. سنسمح لهم عندئذ بركل الفرّاء، ولكْم ابن جنّي، وصفع الكسائي، وطرح سيبويه أرضاً، وسنحشد الطبول والمزامير، احتفالاً بأن أهل الاختصاصات والتخصصات العلمية والتقانية، فتح الله عليهم وغدوا أصحاب بيان وتبيين، من دون إنجليزية وفرنسية وألمانية.
هذا يعني أن العربية، بمرور الزمن الرديء، والأوضاع العلمية والتقانية المتردّية، ستمسي لغة البيت والشارع المنحصرة في الكلام الهامشيّ، أمّا حين يجدّ الجد، وتدقّ ساعة العمل التخصصيّ العلميّ المهنيّ، وفي ميادين البحوث والدراسات والاختبار، فلغات الخواجات، هي التي تقضي الحاجات. حينئذ يقول التخصص للغتنا الجميلة: «خلّيك بالبيت» تلك حدود التجلّي. لقد أراد القرار السياسيّ أن يقطع الطريق على النهضة العلمية، أن يقام سدّ دون تعريب العلوم، أن تصبح البلدان العربية تستهلك منتجات العلوم والتقانة ولا تنتجها أو حتى تضع معادلاً عربياً لمصطلحاتها، والأنكى أن تكون لمجامع اللغة استقلالية في تعريب النزر القليل، ولكن بمفردات غير موحدة، جرياً على عادة كثرة المرادفات في ميراثنا القديم. النخب هي الأخرى لها منوعات من الكسل والتقاعس. المهزلة في الثقافة طريفة. حين انخفض منسوب الإبداع في الآداب، في ستّة العقود الأخيرة، بذل أهل النقد الأدبيّ جهوداً مرهقة في نقل المصطلحات النقدية الغربية. أنت تحتاج إلى كسّارة بندق الفهم. أن تقرأ «نقد العقل الخالص» لكانط أسهل لك. هذه غربة مضافة إلى اغتراب اللغة. طموح نقادنا أن يصيروا فلاسفة.
في العلوم، القرار السياسيّ يلقي المسؤولية على النخب والمجامع والمناهج، وهؤلاء يلقونها على القرار، وكرة الثلج العلمية تتضخم وتطرد العربية، تئد عنفوانها ومعه الهوية، في زمن يبحث فيه الشباب العربيّ عن الهجرة ولو بثمن الموت غرقاً. إلى من ترسل لغتنا رسالة من تحت الماء؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الكوميدية: إذا كان الكل مسؤولاً، ضاعت المسؤولية. من الشاكي إذاً؟
abuzzabaed@gmail.com