قال القلم: كيف هي النوابض وممتصّ الصدمات لديك؟ قلت: أنسيت أن اليوم الجمعة، فلا حديث عن الميكانيكا والسيارات. قال: أنا أسألك عن مدى تحمّلك القضايا الصادمة. قلت: إن دماغ الأمّة ثابت غير متحوّل، لكن «افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين».
قال: إنّي أرى في ميراث الفقه حشواً كثيراً، يشبه في الاقتصاد التضخم الذي يهوي بقيمة العملة. أغلب ذلك مضاف إلى الدين، لا صلة له به، والمأساة هي أن يُحمل ذلك على الإسلام فيحشر في صميمه. انظر إلى حسابات الحسنات، لقد وردت في القرآن ذرّة منها، فصارت عند المتفاقهين مجرّة. قلت: هم براء من سوء النوايا، وإنمّا أرادوا بمنطق المعاملات حثّ الناس على الأعمال الصالحات، لتكثير المكافآت.
قال: ها أنت تقتحم ضرورة تجديد الخطاب الدينيّ. العلوم اليوم غير علوم الماضين. كيف تُقنع من له دراية بالفيزياء الفلكيّة ونظام الكون والحياة، بأن خلق الكون العظيم، قضى 13.7 مليار سنة، ونشأت الأرض قبل 4.6 من مليارات السنين، واكتسبت عناصرَها الثقيلة ممّا صُنع في النجوم العملاقة في مئات ملايين الدرجات المئوية، إلى أن ظهرت الحياة، وفي قمتها الآدميّ ذو الدماغ المعقّد، كل تلك المسيرة الكونيّة المحيّرة، غايتها أن يجلس إنسان في زاوية وبيده مسبحة، بينما خزائن الخالق في شغل تحصي حسنات ذلك الشخص، وتضرب أضعافها في مضاعفاتها؟ في المقابل، يحاول ذلك الحشو الفقهيّ المتضخم الدخيل على صميم الإسلام، تلقيننا بأن جهنّم ستمتلئ بعلماء الرياضيات، بوان كارّيه وسدريك فيللاني، والفيزيائيين نيلز بوهر وستيفن هاوكينج، ومنقذي البشرية من علماء الوراثة والطب والتقانة الحيويّة وعشرات الألوف غيرهم. ألسنا في حاجة ماسّة إلى فقهاء وعلماء جدد يصحّحون مفهوم الحسنات والأعمال الصالحات، في ضوء التنمية الشاملة والبحث العلميّ، ليدرك المسلم أنّ دينه مفعم بآيات علوم الأرض والكون؟
قلت: إن المسألة ليست على هذه الصورة التراجيكوميديّة المحبطة، فالمعضلة هي أن تطوير الفكر الدينيّ وتجديد خطابه، ومحو الأميّة وربط التربية والتعليم والبحث العلميّ بالتنمية والاقتصاد وإنتاج العلوم، والارتقاء بالفنون والمعارف، والاستثمار في استغلال ما على الأرض وما في جوفها، وبناء كل القوى الذاتيّة، إنما هي أعدى أعداء مقاصد المخططات الجهنميّة الطامعة. صالح الأعمال هو تلك المجموعة الذهبيّة، والحسنات الحقيقية في الدنيا والآخرة هي نتائجها الحضاريّة، التي تعطينا صورة عن غايات المسيرة الكونية، التي لا تزال الإنسانية في الخطوة الأولى من صيرورة تطوّرها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الشوقيّة: صلاح أمرك للتجديد مرجعهُ.. فقوّم الشعب بالتجديد يستقمِ.
abuzzabaed@gmail.com