كلنا وبدون استثناء، ننتظر شيئاً ما، آتياً. لا تصدّق من يقول لك إنه كفّ عن الانتظار في حياته؛ لأن الأمور باتت متشابهة، وللأيام ذات الرتابة، وما يحيط به من أحداث تحمله على اليأس من أن شيئاً ما غير عادي، قادم في الأفق. لا تصدقه، لا لأنه يكذب حين يقول إنه كفّ عن الانتظار؛ بل لأنه نفسه لا يدرك أنه لا يقول الحقيقة، فقد يكون اليأس بلغ في نفسه مبلغه، وحمله على التسليم بما هو عليه.
لكن هذا لا يعني أنه لا ينتظر. قد يكون ما ينتظره بسيطاً جداً، وعادياً جداً، كانتظار نهاية الأسبوع؛ لأنه سيجد فسحة أكبر من الوقت كي ينام في الصباح ساعات إضافية، أو يقوم بزيارة، أو يصطحب عائلته في جولة في حديقة أو في مجمع استهلاكي. ليس ضرورياً أن يقترن الانتظار بأمور كبيرة تغير مسارات حياتنا نحو الأحسن، كما ننشد جميعاً.
لكن الحديث لا يدور عن هذا النوع من الانتظار المتصل بالعادي من الأمور، وإنما بتلك المحطات الفاصلة في حياة الفرد، وفي تحولات المحيط من حوله. على سبيل المثال، فإن كل الموظفين، أو غالبيّتهم، ينتظرون بلوغ سن التقاعد، أو حتى انقضاء سنوات خدمة كافية تؤهلهم لأن يطلبوا إحالتهم على التقاعد، لأنهم ملّوا من رتابة الوظيفة، ويتطلعون لحرية إدارة أوقاتهم كما يريدون، بعيداً عن صرامتها.
مؤلفا كتاب «أفكار وجدت لتبقى» تحدثا، بشيء لا يخلو من السخرية، عن رجل أعمال أمريكي ينوي شراء قطعة أرض، لكن الانتخابات التشريعية أو الرئاسية لا أذكر وشيكة، فقال في نفسه: سأنتظر نتيجة الانتخابات لأقرر هل أشتريها أم لا، ولكنه بينه وبين نفسه عاقد العزم على شرائها، أفاز الجمهوريون أو الديمقراطيون في الانتخابات، فالأمر بالنسبة له سيان.
عن مثل رجل الأعمال هذا، دار حديث عن مجموعة طلاب خاضوا في الجامعة امتحاناً فاصلاً، وأمامهم انتظار بضعة أيام لمعرفة النتيجة. في الأثناء عرضت عليهم سفرة بسعر مغرٍ إلى جزر هاواي، موعدها هو الأيام المتبقية على إعلان نتائج الامتحان. لا الواثقون من نجاحهم قبلوا العرض، ولا من يساورهم الشك في أنهم لن ينجحوا فعلوا.
منطق الأمور يقول: أليست تلك السفرة مكافأة للنفس بعد النجاح في امتحان صعب للناجحين، وتسلية للنفس ومداواة لها، لمن لم يقدّر لهم النجاح؟ ولكن الجميع فضلوا انتظار النتيجة، وفوّتوا على أنفسهم الفرصة.
هذا النوع من الانتظار لا طائل من ورائه، لكن الناس بطبعها ميّالة إليه، وهو قرين التردد والحذر، لا الحساب المتأني، الذي يدرك صاحبه أهمية دراسة التوقيت المناسب لاتخاذ قراراته.
وإن كان من مغزى هنا، فهو الحثّ على أن نظفر بفرص الدنيا إن هي دنت، بدل الاستغراق في حسابات عقيمة تفوِّتها.
madanbahrain@gmail.com