Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

أو. هنري.. قاص ينتمي إلى طائفة الصعاليك

$
0
0
القاهرة: «الخليج»

«أو. هنري» (1862 - 1910) كاتب أمريكي ينتمي إلى طائفة الكتاب الصعاليك، الذين نشؤوا في بيئات فقيرة، وواجهوا مصاعب جمة، وتنقلوا بين أعمال تافهة، فكان موظفاً في مخزن للأدوية، ورساماً في مصلحة حكومية، وناشراً لمجلة فكاهية، وصرافاً في بنك يختلس بعضاً من عهدته، فيقدم إلى المحاكمة ويهرب إلى أن تضبطه الشرطة، فيدخل السجن، وفي زنزانته يبدأ وهو في الأربعين، كتابة قصصه، وبعد خروجه يبدأ في نشرها، ليصبح خلال السنوات الثماني التالية أكبر قصاص مقروء في أمريكا.
في مجموعته القصصية «الملايين الأربعة»، نماذج من عالم هذا القصاص الصعلوك الذي صعد إلى القمة، وهو في الأربعين، ولم يعش فوقها سوى ثماني سنوات، غادر الدنيا بعدها، و«الملايين الأربعة»، ليست عنوان قصة من قصص هذه المجموعة القصصية، وإنما هي الرقم الذي يدل على سكان نيويورك في بداية القرن العشرين أو في عقده الأول على وجه التقريب، حيث عاش «أو. هنري» أخصب ثماني سنوات من حياته القصيرة، وحيث بلغ الأوج من مجده الأدبي، وحيث استوحى قصص تلك المجموعة القصصية من حطام السفن الغارقة أو المشرفة على الغرق في هذا الخضم البشري المتلاطم.
سئل «أو. هنري» ذات مرة وهو يجلس في مطعم مع بعض الصحفيين من أين يستمد أفكار قصصه؟ فقال: «من كل مكان فقلما تجد شيئا لا ينطوي على قصة»، وأمسك بقائمة الطعام في يده، وقال: «إليكم هذه القائمة مثلا، إن من الممكن أن تجدوا قصة وراء حروفها الخرساء»، ثم راح يضع الخطوط الرئيسية لقصته: «ربيع تحت الطلب» وهي منشورة أيضا في مجموعة «الملايين الأربعة»، التي ترجمها إلى العربية د. سعيد عبده، وصدرت طبعتها الأولى عام 1954.
طريقة «أو. هنري» في كتابة القصة أن يمسك بالشيء التافه المألوف في الحياة، فيمزج بينه وبين تجربة من تجارب حياته الخاصة، ثم يضفي على هذا المزيج بعض الألوان من ريشته الفلسفية المازحة، فإذا بالشيء التافه المألوف يستحيل إلى خلق جديد، وإذا بالمصادفة المهمة الفارغة على ساحل الحياة، قد عمرت من حرارة أنفاسه، وعواطف قلبه.
لقد قال عنه أحد معاصريه إنه كان شخصا أشبه ما يكون بالطفل، قليل الحيلة، مبرأ من كل دوافع الغدر والخداع، وقال عنه آخر إنه كان رصينا هادئا ممتلئ القلب بالرحمة، يهوى التجول ليلا في المدينة ليدرس عن كثب وجوه الناس، ويحب الجلوس في مطعم ما برفقة صديق لا يتكلم، ولعل المرض الذي استودعته أمه إياه، يوم ماتت عنه، وهو طفل شاحب هزيل، والذي اختاره في ريعان العمر، وفي السابعة والأربعين، كان له فضل كبير في تلك اللمحة الإنسانية المشرقة التي تسطع من قصصه جميعا، وتجعل منها متحفا للحياة في وقته، تكاد تنطق وتتحرك فيه التماثيل،
تقاضى «أو. هنري» عن إحدى قصصه مبلغا زهيدا واشترى منه أحد الأشخاص حق تحويلها إلى مسرحية وكسب منها مئات الآلاف، وحسبما يقول د. سعيد عبده فإن «مرارة تجارب» «أو. هنري» في الحياة وعاطفته الإنسانية الشفافة، وإيمانه الراسخ بالمقادير والمصادفات واقتصاده العجيب في كسو المعاني الضخمة بأبسط وأقل الجمل والألفاظ، كل هذا يضفي على قصصه روحا تمنحه بجدارة لقب المعلم في فن القصص القصيرة.
ولد «أو. هنري» سنة 1862 بولاية كارولينا الشمالية، ومات سنة 1910، ولم يلمع ككاتب قصصي إلا سنة 1902 أما الأربعون عاما التي مرت من عمره قبل ذلك فقد قضاها في قطاف التجارب التي ترى آثارها في كتاباته، من حقل المحن والمآسي التي صادفها في الحياة، ماتت أمه بالسل وهو في الثالثة من عمره، وترك التعليم في الخامسة عشرة، لكن عمته التي كانت تدير مدرسة حرة حفزته على القراءة، وهيأ له عمه وسيلة للعمل في مخزن كان يملكه لبيع العقاقير.
واشتغل «أو. هنري» رساما في مصلحة الأملاك، وكان زملاؤه يتوقعون له مستقبلا في رسم الكاريكاتير، ثم تزوج ومات أول طفل أنجبه، وفشلت محاولة قام بها لإنشاء مجلة أسبوعية فكاهية، واشتغل صرافا في بنك فظهر في حساباته عجز، فطرد، وحوكم بعد سنوات، وبدأ في السجن كتابة القصص، التي كان يمزج فيها بين تجاربه وما يتلقفه من أفواه السجناء، ولم تجد هذه القصص طريقها إلى الصحافة إلا في سنة 1899 وهو يعيش في إحدى الغرف الحقيرة، وعرضت عليه إحدى الصحف دخلا ثابتا إذا قدم إلى نيويورك فسافر إليها عام 1902.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 56024

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>